السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان.. هذا ما قدمه عراقتشي للبرلمان قبل نيله الثقة
تتجه الأنظار إلى وزير الخارجية الإيراني الجديد عباس عراقتشي بعد نيله الثقة من البرلمان، لا سيما أنه سيقود دفة الدبلوماسية الإيرانية في ظل منطقة تشهد تحولات متسارعة تلعب إيران فيها دورًا مؤثرًا مع انخراط المحور الذي تقوده في مواجهة بمستويات مختلفة في حرب مع إسرائيل منذ ما يزيد عن عشرة أشهر.
في ظل السعي الحثيث للوصول إلى وقف إطلاق نار في غزة، بالتوازي مع تهديدات إيران وحزب الله بالانتقام بعد اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في بيروت، ستكون مهمة الوزير الجديد مثقلة بالملفات المهمة التي قد تترك تأثيرًا على شكل المنطقة لعقود مقبلة.
وتعتبر السياسة الخارجية الإيرانية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الشاملة للدفاع، ورغم أهمية منصب الوزير، إلا أن هناك خطوط عامة للنظام لا يمكن تجاوزها. ومن هنا تكمن صعوبة هذا المنصب، لما يحتاجه الوزير من تدوير الزوايا للتمكن من العمل بدبلوماسية مترافقة مع تنفيذ الخطوط العريضة للنظام.
لذلك، كان واضحًا أن خطة العمل التي وضعها عراقتشي، والتي أعلن عنها خلال كلمة له أمام البرلمان قبل التصويت على الثقة بأيام، تستند إلى الأسس التي وضعتها القيادة الإيرانية في السنوات الأخيرة. هذه المحاور تشمل “دبلوماسية المقاومة”، وتعزيز العلاقات مع الحلفاء، وإدارة الصراعات مع القوى العالمية الكبرى.
“دبلوماسية المقاومة”
تُعتبر “دبلوماسية المقاومة” واحدة من أبرز معالم الجمهورية الإسلامية في السنوات الماضية، والتي وضعتها لاعبًا أساسيًا في المساحة الرمادية لصراعات المنطقة، دون حرب واضحة ودون سلام أيضًا.
وفي خطابه أمام البرلمان، أكد عباس عراقتشي أن “دبلوماسية المقاومة” ستكون في رأس السياسة الخارجية للحكومة الجديدة، مشددًا على التزام إيران بدعم حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وسائر الحركات المناهضة لإسرائيل.
وتستند هذه الاستراتيجية إلى تصريحات سابقة لقادة إيران، بمن فيهم الرئيس المنتخب حديثًا مسعود بزشكيان، الذي لطالما أكد على أن دعم القضية الفلسطينية هو “مسألة مبدئية وليست فقط سياسية”.
ويعتبر هذا الدعم جزءًا من “نهج المقاومة” الذي يشكل أحد أعمدة السياسة الخارجية الإيرانية، ويهدف إلى تحقيق التوازن في سياسة إيران الخارجية.
من هنا، أوضح المتحدث باسم لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أن “عراقتشي شدد على الدعم الثابت والمستمر لشعبي فلسطين ولبنان وحركات المقاومة في مواجهة السياسات القمعية والإجرامية للكيان الصهيوني” وفق تعبيره.
سياسة حسن الجوار
من توترات المنطقة إلى التعاون مع المحيط، أكد عباس عراقتشي على أهمية سياسة حسن الجوار، والتي تعتبر ركيزة أساسية في السياسة الخارجية الإيرانية للحكومة الجديدة. وهي كذلك السياسة التي انتهجتها حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي خلال سنواتها الثلاث.
وتأتي هذه السياسة في إطار الجهود الرامية إلى خفض التوترات الإقليمية وتحسين العلاقات مع الدول المجاورة وتحديدًا دول الخليج.
في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى تصريحات سابقة للرئيس الإيراني بزشكيان حول أهمية التعاون مع دول الجوار لتحقيق الاستقرار الإقليمي، حيث أكد أن الأمن والتنمية في المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال التعاون بين الدول الجارة.
تعزيز العلاقات مع الحلفاء التقليديين للنظام
وتوازيًا مع تأكيده على دعم “حركات المقاومة”، أكد عراقتشي ضرورة “توسيع الشراكات الاستراتيجية”، حيث تعتبر إيران أن تعزيز علاقاتها مع الدول التي وقفت إلى جانبها خلال فترات العقوبات، مثل الصين وروسيا، أمرًا أساسيًا.
عراقتشي أكد أن هذه الدول، إلى جانب القوى الناشئة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق آسيا، ستكون في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الإيرانية. هذا التوجه يعكس رؤية استراتيجية أوسع للقيادة الإيرانية التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على الغرب وتعزيز شراكاتها مع القوى الصاعدة عالميًا وتحديدًا في الشرق.
تتجلى هذه الاستراتيجية في تصريحات سابقة لبزشكيان الذي شدد على ضرورة توسيع نطاق التعاون مع “الدول الصديقة”، سواء في المجال الاقتصادي أو العسكري، وذلك كجزء من رؤية شاملة تهدف إلى مواجهة التحديات العالمية من خلال بناء تحالفات قوية خارج المحور الغربي.
إحباط العقوبات وإدارة الصراعات
بالتوازي، أشار عباس عراقتشي إلى أن الحكومة الجديدة ستتبنى سياسة مزدوجة تتمثل في “إحباط العقوبات” والعمل على رفعها في نفس الوقت.
ويبدو أن إيران لن تتعجل في العمل على رفع العقوبات ولن تقع في فخ التفاوض الاستنزافي، مما يعكس استراتيجية سبق وأن أعلنها بزشكيان، الذي أكد أن رفع العقوبات هدف مشروع ولكنه يجب أن يتم بشروط تحفظ “كرامة وسيادة إيران”.
تصحيح العلاقات مع أوروبا
ترى الحكومة الجديدة في إيران أن تحسين العلاقات مع الدول الأوروبية يمثل فرصة مشروطة أمام الجمهورية الإسلامية، خاصة بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
وتأتي هذه الرؤية في إطار السياسة الإيرانية التي تفرق بين الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تعتبر طهران أن هناك فرصة للتعاون مع أوروبا إذا ما التزمت بالمبادئ المشتركة وأوقفت دعمها للعقوبات الأميركية.
الالتزام بالقضية الفلسطينية
هذا التمايز الذي أظهر بزشكيان عن التيار الأصولي في إيران، لم يبعد الحكومة عن شعار الجمهورية الإسلامية الدائم حول دعم القضية الفلسطينية.
هذا التوجه، أكده عراقتشي في خطابه حينها أكد أن “الدعم المستمر والشامل للقضية الفلسطينية سيكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة”.
وبناء على ما سبق، يبدو أن عراقتشي ومن خلفه حكومة بزشكيان ستتحرك وفق ما تسمح له الخطوط العريضة للقيادة في إيران، ضمن استراتيجية أكثر مرونة من حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. هذا التوجه، يمكن اختصاره بما قاله عراقتشي خلال جلسة البرلمان حول “قانون الإجراء الاستراتيجي لرفع العقوبات”، والذي أكد التزامه به رغم الانتقاد الذي وجهه بزشكيان له خلال الحملات الانتخابية.