قصة الساعات الأخيرة في حياة إسماعيل هنية: هل أصبح الرد وشيكا؟!
قبل قيام "محور المقاومة" بقيادة إيران بانتقامه المتوقع أن يكون على نطاق واسع ردًا على الهجمات ذات السقف المرتفع المنسوبة مؤخرًا لإسرائيل في إيران ولبنان واليمن، يجري السعي لإيجاد توازن بين الروايات والدبلوماسية المكوكية التي قد تتضمن زيارات سرية. تهدف هذه الجهود إلى التأثير وخلق إطار للمسار الذي قد تتخذه إيران وحلفائها الإقليميين، مما سينعكس بالتالي على الخطوات المحتملة القادمة من إسرائيل.
في حين أنه لا يوجد خلاف كبير على أن جهاز العمليات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) كان وراء اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في طهران، فإن هناك جدلاً حول الطريقة التي تم بها اغتياله. في هذه الأثناء، تسعى الدول العربية العالقة بين إيران وإسرائيل، مع حليفها الأميركي، لمنع اندلاع حرب شاملة قد تعيد تشكيل المنطقة.
اختراقات أمنية
قال مصدر مطلع مرتبط بفيلق القدس الإيراني لموقع “جاده إيران” “كان هنية يستخدم الهاتف كثيرًا”، مشيرًا إلى تنبيه الفريق الأمني للزعيم الفلسطيني الزائر بشأن الاستخدام المكثف للهواتف الذكية. “هذا الأمر كان خطيرًا للغاية، خاصة في ظل وجود الكثر من محاولات استهداف هنية”، أكَّد مصدر فيلق القدس، قائلاً إن الفلسطينيين تم حثهم على “أن يكونوا أكثر حذرًا”. كان الرد الذي تلقاه الإيرانيون بكلمات واضحة: هنية هو زعيم سياسي ويحتاج دائمًا إلى أن يكون متاحًا. ويؤكد ذلك الصور الأخيرة المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي للمسؤول الأعلى في حماس وهو يمسك بهاتف “آيفون”.
في حديثه إلى “جاده إيران”، قال خالد قدومي، ممثل حماس في إيران، إن أعضاء الحركة الفلسطينية الزائرين هم “في النهاية ضيوف تستضيفهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، مشيرًا إلى أنه في حين أن هنية كان لديه حراسه الخاصين، فإن “الجوانب المتعلقة بالحماية والأمن هي دائمًا مسؤولية البلد المضيف“.
تشكَّل الوفد الذي وصل إلى طهران لحضور تنصيب الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، في 30 يوليو من أربعة شخصيات رئيسية. رافق هنية كل من زاهر جبارين، رئيس الحركة في الضفة الغربية، وخليل الحية، نائب رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، ومحمد نصر المقيم في قطر، وهو عضو في المكتب السياسي لحماس. كما صاحب الوفد أيضًا أكثر من 15 مرافق أمني وطاهٍ شخصي لهنية، مع تخصيص عشرة من الحراس لحماية الرجل.
أحد المرافقين الأمنيين الفلسطينيين، وسيم أبو شعبان، قُتل مع زعيم حماس عندما تعرض المجمع في منطقة سعد آباد شمال طهران الذي كانوا يقيمون فيه لانفجار في الساعات الأولى من 31 يوليو.
تصادم الروايات
واصفًا حالة الغرفة التي تم اغتيال هنية فيها، قال قدومي لمنصة “جاده إيران”، “وجدت أن الجدران المواجهة للطرف الخارجي من المبنى قد دُمرت مع السقف. وهذا يشير إلى أن التدمير نجم [عن شيء جاء] من الخارج وليس من الداخل.” من وجهة نظر ممثل حماس، “فرضية أن عبوة متفجرة تسببت في الضرر غير دقيقة”، موضحًا أن هذه الرواية “محاولة لتشتيت الانتباه عن الجاني الحقيقي، وهم الصهاينة بتغطية أميركية لخلق الفوضى بين الحلفاء إيران وداخل محور المقاومة.”
مشيرًا إلى تقرير تقني أولي صادر عن الحرس الثوري الإيراني في 3 أغسطس، والذي أشار إلى استخدام قذيفة قصيرة المدى بوزن تقديري 7 كجم (15.4 رطل) في الهجوم، أكد قدومي أن هذا “يؤكد ما قلناه.” إذا تم استخدام قذيفة بالفعل، فإنه يبقى غير واضح ما إذا كانت قد أطلقت من الأرض أو من الجو. أشارت التقارير الأولية إلى إمكانية استخدام طائرة رباعية. قال مصادر مطلعة مقربة من قوة القدس إن مثل هذه التفاصيل تظل غير واضحة، بينما أشارت شخصيات حماس إلى صاروخ أطلق من الجو.
متحدثًا لمنصة “جاده إيران” بشرط عدم الكشف عن هويته، قال مصادر أمني إيراني إن المقذوف الذي قتل زعيم حماس أصاب المكان الذي كان يوجد فيه هاتفه. وفي كشف للتفاصيل المروعة في المشهد، قيل إنه لم يتبق شيء من رأس هنية وصدره.
كانت هناك دائمًا مؤشرات على احتمال وجود مخطط اغتيال، لكن الإيرانيين لم يعتقدوا أنه سيحدث في بلدهم أو بالطريقة التي حدثت بها. اتخذوا جميع التدابير الممكنة لمنع حدوث انفجار أو قنبلة، لكنهم لم يتخذوا إجراءً يمكن أن يمنع صاروخًا أطلق من خارج مجمع سعد آباد.
متحدثًا بشرط عدم الكشف عن هويته، قال مصدر أمني إقليمي لمنصة “جاده إيران” إن فكرة زرع قنبلة نشأت أولاً من محللين على ارتباط جيد بإسرائيل، في الساعات الأولى بعد انفجار 31 يوليو. أشار المصدر الأمني أن الغرض من هذه الرواية هو أنه يجعل الاغتيال نتيجة عملية استخباراتية، وبذلك لن يكون لدى إيران مبرر لشن هجوم عسكري على إسرائيل. كما أضاف المصدر أن فكرة زرع قنابل متعددة في مجمع شديد الحماية منذ شهور ستجعل الإيرانيين يبدون أكثر فشلًا.
لكن فكرة أن الرد على اغتيال هنية سيختلف بناءً على ما إذا كان نتيجة قنبلة أو صاروخ أطلق على الزعيم الحمساوي تبدو غير صائبة. النقطة الرئيسية، على الأقل من وجهة النظر الإيرانية، حسبما أشارت المصادر المطلعة، هي أن هنية كان ضيفًا على إيران. وبالتالي، فإن قتله – في يوم تنصيب بزشكيان – يعد استفزازًا كبيرًا جدًا ولا يمكن التغاضي عنه بأي شكل من الأشكال.
الدبلوماسية المكوكية
في السابق، كان هناك محاولة مزعومة لاغتيال هنية في تركيا. لكن يبدو أن أنقرة قد أحبطت مثل هذا العمل على أراضيها بتحذير تل أبيب من “عواقب وخيمة”. وبالمثل، في حين أن إسرائيل قد هددت سابقًا بأن قادة حماس في الدول الثالثة هم أهداف مشروعة، فإن المسؤولين الفلسطينيين في قطر حتى الآن كانوا بعيدين عن متناول الموساد.
في هذا السياق، فإن قتل هنية في طهران قد وضع القيادة السياسية الإيرانية في موقف صعب للغاية. من ناحية، قد يكون هناك قلق داخل المؤسسة الأمنية من أن عملية “الوعد الصادق” -الهجوم المباشر غير المسبوق على إسرائيل في 14 أبريل بمئات الطائرات بدون طيار والصواريخ على خلفية قصف القنصلية الإيرانية في دمشق -لم يكن كافيًا.
في أبريل، أصدرت إيران تحذيرات بالانتقام قبل عدة أيام، مما أعطى الجيوش الغربية وقتًا لتكديس المزيد من الأصول الجوية والأرضية والبحرية في المنطقة. علاوة على ذلك، قبل إطلاق الصواريخ الباليستية، أطلق الحرس الثوري طائرات بدون طيار بطيئة الحركة من الأراضي الإيرانية، مما منح إسرائيل عدة ساعات لإسقاط الطائرات بعيدًا عن حدودها. بينما يظل مدى التعاون العربي غير واضح، لعبت الأردن دورًا بارزًا وعلنيًا في إسقاط المقذوفات الإيرانية.
في النهاية، كانت “الوعد الصادق” تدور بشكل رئيسي حول إرسال رسالة سياسية، وفرصة لإيران وحلفائها الإقليميين لتقييم كيفية رد فعل إسرائيل والحكومات العربية. الآن، يبدو أن الجمهورية الإسلامية قد تقرر تطبيق الدروس المستفادة في نوع مختلف من العملية. والأهم من ذلك أن ما ستقوم به إيران من المرجح أن يشمل جبهات أخرى. وهو الأمر الذي لوح له أحد بيانات الحرس الثوري وعدد من المسؤولين الإيرانيين أهمهما قائد أركان القوات المسلحة محمد باقري.
في محاولة واضحة لتخفيف الانتقام من “محور المقاومة”، تواصل العديد من المسؤولين العرب مع إيران في الأيام الأخيرة. لكن ما يبرز في تحركات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي هو أنه يتضمن أول زيارة إلى طهران من قبل دبلوماسي أردني رئيسي منذ أكثر من عقد. وصفت وسائل الإعلام التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (SNSC)، الذي يجمع القيادة المدنية والعسكرية للبلاد، رحلة الصفدي المفاجئة بأنها تتعلق بـ “الدور المعقد للأردن في الصراعات الإقليمية”. مشيرةً إلى أن محاولة عمان من غير المحتمل أن تؤثر على طهران، ووصفت “نور نيوز” المقربة من علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق، عزم إيران على عملية انتقامية بأنه “ثابت“.
بينما أكدت الخارجية الأردنية أن الصفدي سيحمل رسالة من ملك الأردن إلى الرئيس الإيراني، أكد الدبلوماسي الأردني الكبير أنه ليس في طهران لنقل أي رسائل من أو إلى إسرائيل. علاوة على ذلك، قال الصفدي بحسب بيان الرئاسة الإيرانية لمضيفيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى توسيع نطاق الصراع في المنطقة من خلال هذا الاغتيال. الجدير ذكره أن كل من القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري كني والرئيس بزشكيان أكدا خلال لقاءاتهما المنفصلة والمشتركة مع الصفدي أن الرد لا مفر منه.
مستعدون لحرب شاملة؟
في محادثات متعددة مع مصادر مطلعة في بيروت وطهران، يبدو أن “محور المقاومة” قد أخبر الوسطاء أنه سيفعل ما هو ضروري -بغض النظر عن العواقب، حتى لو كانت حرب إقليمية واسعة النطاق.
كاشفًا لمنصة “جادة إيران” بشرط عدم الإفصاح عن هويته، قال مصدر كبير مقرب من “محور المقاومة” لديه إطلاع عن قرب بالتطورات إن هناك “جهودًا هائلة لكبح المحور من رد فعال”، لكن المحور الذي يقوده إيران “سيفعل ما هو ضروري لتحقيق رد فعال ومؤثر.” كشف المصدر أن الولايات المتحدة تتواصل “بطرق مختلفة”، لكن “ساحة المعركة هي الرد”. مؤكدًا الأخير أن “المسألة الرئيسية” هي أن “الرد يجب أن يكون فعالًا ومؤثرًا، وليس رمزيًا فقط”. كما أشار إلى أن إيران وحلفائها الإقليميين يجب أن “يخترقوا جميع المنظومات الدفاعية وهذا ليس بالأمر السهل.”
عند الضغط لمعرفة سبب عدم ظهور رد من المحور حتى الآن، مما يمنح إسرائيل والولايات المتحدة وقتًا كافيًا لإعداد دفاعاتهم، أوضح المصدر الكبير، “أنهم مستعدون جيدًا، وسنقوم بالمهمة عندما نكون مستعدين”، موضحًا أن العمل سيُتخذ في سياق مفاده أن المحور لا يخشى حربًا واسعة النطاق.
ختامًا، كما هو الحال في أبريل، يبدو أن إيران تسعى إلى اتخاذ إجراء بعد استنفاد السبل الدبلوماسية للرد. جرت عملية “الوعد الصادق” بعد إحجام مجلس الأمن الدولي عن إدانة القصف المشتبه به من قبل إسرائيل للمباني الدبلوماسية الإيرانية في سوريا. بعد وقت قصير من قتل هنية، انعقد مجلس الأمن الدولي، لكن الإيرانيين أعربوا عن أسفهم لأن مسودة البيان الصحفي التي اقترحتها روسيا والتي أدانت إسرائيل قد منعت الولايات المتحدة صدورها.
“الكيان الصهيوني لا يحترم الاتفاقيات الدولية أو الخطوط الحمراء”، قال قدومي، ممثل حماس في إيران لمنصة “جاده إيران”، “لقد انتهك حدود دولة ذات سيادة فيما يعرف بـ ‘الاغتيالات أو الهجمات الإقليمية’… لو وقع هذا الأمر في مكان آخر، لكانت الأساطيل تتحرك بموجب الفصل السابع [من ميثاق الأمم المتحدة] لمهاجمة الجناة الآن.”