الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة31 يوليو 2024 17:24
للمشاركة:

قصة اغتيال هنية في طهران.. ما هو الأمر الذي لن يرغب خامنئي بقبوله؟

يكشف الكاتب سعيد عظيمي أنّ رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية كان يعلم بأنّ حياته مهددة في تركيا أو في إيران، وأنه كان يتخذ احتياطات في هذا الإطار، في حين تتوقع السلطات الإيرانية أن يكون هناك خرق في جهاز الأمن الشخصي لهنية أوصل ألى نجاح عملية اغتياله.

في ما يلي ترجمة المقال المنشور الى موقع “أمواج ميديا

كان الهدوء سائدًا في العاصمة الإيرانية ليلًا بعد حفل تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان في 30 تموز/ يوليو، الذي قاد لحضور عشرات الوفود الأجنبية إلى طهران. لكن في الساعة 1:45 صباحًا بالتوقيت المحلي، أبلغ سكان مصدومون في شمال المدينة الثرية عن صوت انفجار قوي. وفي غضون ساعات، أكدت السلطات الإيرانية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية. وكان هنية زائرًا بشكل منتظم في السنوات الأخيرة، وكان في طهران لحضور حفل تنصيب بزشكيان.

تفاصيل الحادث في المجال العام لا تزال ضئيلة. ووفقًا لبيان أولي أصدره الحرس الثوري الإيراني في الساعة 6:10 صباحًا بالتوقيت المحلّي، فقد تم قصف “مقر إقامة” هنية، مما أدى إلى استشهاد زعيم حماس وأحد حرّاسه الشخصيين. وأضاف البيان أنه يجري التحقيق في أسباب الحادث وأبعاده وسيتم إعلان النتائج.

وفي وقت لاحق، قالت وكالة أنباء فارس، وهي إحدى وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني، إنّ هنية كان يقيم في “مقر إقامة خاص للمحاربين القدامى الذين شاركوا في حرب [1980-1988 بين إيران والعراق] في شمال طهران”. ومع ذلك، فقد اعترضت وكالة تسنيم للأنباء، وهي شركة أخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني، على هذا الادعاء، ولم تذكر شيئًا عن مثل هذه المنشأة.

وقال مصدر سياسي إيراني رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لـ Amwaj.media إنّ هنية وغيره من الضيوف الأجانب البارزين الذين حضروا حفل تنصيب بزشكيان كانوا يقيمون بالفعل في مجمع سعد آباد. وسيكون الهجوم داخل المجمع الضخم، الواقع بالقرب من ساحة تجريش شمال العاصمة، جريئًا بشكل خاص لأنه مرتبط بالرئاسة. وسيكون الأمر محرجًا أكثر للسلطات الإيرانية، حيث أنّ كبار الشخصيّات الزائرة الأخرى ستكون في المنطقة المجاورة.

في أعقاب الاغتيال مباشرة، قالت مصادر إيرانية إنّ المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد اجتماعًا طارئًا. ويتخذ المجلس، الذي يرأسه الرئيس ويجمع القيادات المدنية والعسكرية في البلاد، قرارات بشأن أمور الأمن القومي والسياسة الخارجية. ويقال إنّ جلسة مجلس الأمن القومي عُقدت في مقر إقامة القائد الأعلى، بحضور آية الله علي خامنئي، فضلاً عن رؤساء السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية.

وأضاف مصدر رفيع حضر الجلسة الطارئة لـ”أمواج” إن هناك شبهات بأن تكون الحلقة الأمنية الأولى لهنية، وهم حراسه الشخصيون الفلسطينيون، قد لعبت دورًا في عملية الاغتيال. وبحسب المصدر، فإنّ التقييم الأولي لطهران هو أنه تم استخدام طائرة رباعية صغيرة لاستهداف زعيم حماس بعد بلاغ من فريق هنية الأمني. ولم يتمكّن موقع Amwaj.media من التحقق بشكل مستقل من هذه الادعاءات، والتي قد تكون موجهة لصرف اللوم عن فشل الاستخبارات الإيرانية.

التقييم الأولي الذي يقول إنه تم استخدام طائرة كوادكوبتر يتناسب مع حوادث سابقة اتُّهمت بها إسرائيل، مثل الهجمات على منشآت مرتبطة بوزارة الدفاع في وسط البلاد. ومن الجدير بالذكر إنّ أجهزة المخابرات الإيرانية تفاخرت مرارًا وتكرارًا بأنه تم اعتراض الطائرات الصغيرة المسيّرة، غامزةً عن دور لكردستان العراق كمنصة إطلاق.

ومع ذلك، هناك أيضًا تكهّنات بأنه تم اللجوء إلى صاروخ بعيد المدى أو غارة جوية دقيقة، ربما من المجال الجوي لدولة مجاورة. وقد يتناسب هذا الأخير مع الهجوم الإسرائيلي في نيسان/ أبريل 2024 على الدفاعات الجوية التي تحمي موقع تخصيب اليورانيوم في نطنز، عندما قيل إنّ صاروخًا أُطلق من الجو من المجال الجوي العراقي. ومع ذلك، يفكر البعض أيضًا في ما إذا كان قد تم استخدام سلاح أرضي، كما حدث في اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده في نوفمبر 2020.

وعلم موقع “أمواج” بأنّ زعيم حماس ومسؤولين آخرين في الحركة الفلسطينية عادة ما يقيمون في مقرات اقامتهم الخاصئ في شارع نيلسون مانديلا. ويقع المكتب التمثيلي لحماس، المعروف بالعامية باسم شارع الأردن، في الشارع التجاري الراقي على بعد نحو 20 دقيقة من سعد آباد. وقد يشير هذا إما إلى وعي إيراني بوجود تهديد خطير، أو إلى تفضيل أجهزة الاستخبارات – التي تعاني من ضغوط شديدة بسبب وجود العديد من الوفود الأجنبية – لتوفير الأمن الكافي.

ومن السلوكيّات غير العادية الأخرى، كما زعم مصدر أمني لأمواج، أنه لم يكن من المفترض أن يبقى هنية في طهران ليلًا.

وزعم المصدر الأمني، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنّ الزعيم الفلسطيني كان على علم بأنّ إسرائيل وجّهت تهديدات ضد حياته في كل من إيران وتركيا – مؤكدًا أنه عندما جاء هنية إلى طهران لحضور جنازة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في أيار: مايو، غادر بعد وصوله بأربع ساعات فقط.

ويتوقّع بعض المراقبين المطلعين بأنّ هنية مدّد إقامته في إيران بعد قيام إسرائيل بقتل مسؤول عسكري كبير في حزب الله في بيروت – ظاهريًا لدراسة الخطوات التالية المحتملة من قبل “محور المقاومة”. وتجمع شبكة التحالف الإقليمي التي تقودها طهران بشكل خاص بين الجماعات المسلّحة الشيعية العراقية، وحزب الله اللبناني، والفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس، والحكومة السورية، وحركة أنصار الله اليمنية – المعروفة باسم الحوثيين.

إنّ فكرة أنّ هنية اختار البقاء في العاصمة الإيرانية للتشاور مع قادة المحور الآخرين الزائرين، ترتكز جزئيًا على وجود شخصيات مثل نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم. تجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ حفل تنصيب بزشكيان حضره قائد فيلق القدس إسماعيل قاني. وفي ما يتعلّق بجنازة رئيسي في أواخر شهر أيار/ مايو، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية صورًا نادرة لقاأني والقائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، وهما يعقدان اجتماعًا مع قادة زائرين من محور المقاومة.

الغضب الإيراني

وفي رسالة شديدة اللهجة، قال القائد الأعلى الإيراني، الذي بدا غاضبًا من استهداف أحد أقرب حلفائه الإقليميين في طهران، “إنّ النظام الصهيوني المجرم والإرهابي اغتال ضيفنا العزيز في منزلنا وأحزننا، لكنه مهّد أيضًا الأرضية لعقوبة قاسية لنفسه”.

وكان آية الله خامنئي قد حذّر إسرائيل في وقت سابق من أنّ الأراضي الإيرانية هي “الخط الأحمر” للجمهورية الإسلامية، بعد أن استهدفت إسرائيل في نيسان/ أبريل 2024 القسم القنصلي في السفارة الإيرانية في العاصمة السورية.

وفي بيان ثان صدر في 31 تموز/ يوليو، أشار الحرس الثوري الإيراني إلى هنية باعتباره “أحد الشخصيات البارزة من بين نحو 110 وفود أجنبية تمت دعوتها من قبل البرلمان الموقر للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الرابع عشر لإيران”، متوعّدًا بالانتقام. وأضاف البيان: “مما لا شك فيه أنّ جريمة النظام الصهيوني هذه ستواجه رداً قاسيًا ومؤلمًا من محور المقاومة القوي، وخاصة إيران الإسلامية”.

قد يعني ذلك أنّ قائد القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زاده، الذي قاد الانتقام في 14 نيسان/ أبريل لقصف القنصلية الإيرانية في دمشق بإطلاق مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل، سيتعيّن عليه إعداد قواته للعمل، ولكن هذه المرة بمزيد من الشراسة. ورغم أنّ هنية ليس إيرانيًا، فإن اغتيال قائد كبير في محور المقاومة في طهران ليس بالأمر الذي يرغب خامنئي بقبوله، خاصة أمام أعين الضيوف الأجانب الآخرين.

في نهاية المطاف، وبعيدًا عن تقويض احتمالات التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، فإنّ توقيت ومكان اغتيال هنية قد يكون موجّهًا نحو عرقلة أجندة بزشكيان للسياسة الخارجية. ويخطط الرئيس الإيراني الجديد لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة واستئناف المحادثات مع الغرب لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وفي إشارة إلى الأهداف المحتملة وراء مقتل هنية، اتهم وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، نائب بزشكيان أثناء الحملة الانتخابية، في 31 تموز/ يوليو رئيس الوزراء الإسرائيلي “بدفع المنطقة والعالم إلى حافة الكارثة على وجه التحديد”. كما حث الرئيس بزشكيان – في حفل تنصيبه – شعب إيران والمنطقة والعالم على السعي لتحقيق السلام والهدوء والتعاطف.

من المرجح أن يتذكر صناع القرار في إيران أنّ اغتيال إسرائيل المشتبه به للعالم النووي الكبير فخري زاده حدث وسط تحوّلٍ سياسي في الولايات المتحدة كان من الممكن أن يؤدي إلى تجديد الدبلوماسية بين طهران وواشنطن. وكان الرد الإيراني على عملية فخري زاده هو اعتماد التصعيد النووي الذي حمّلته إدارة حسن روحاني لاحقًا مسؤولية انهيار الدبلوماسية النووية مع إدارة جو بايدن. ومع وجود رئيس إصلاحي في السلطة في إيران، وفي ظلّ التقلّب الذي تشهده الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية، فإنّ الفرصة الضئيلة للتفاعل ربما تنتهي قبل فترة طويلة من تشرين الثاني/ نوفمبر.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: