مركز هامبورغ الإسلامي.. إرث إيراني يواجه الحظر في ألمانيا
أعلنت وسائل الإعلام الألمانية يوم الأربعاء 24 تموز/ يوليو 2024 أن شرطة البلاد داهمت "المركز الإسلامي في هامبورغ"، تزامنًا مع إصدار وزارة الداخلية بيانًا أعلنت فيه حظر هذا المركز الإسلامي والمنظمات التابعة له، مدعية أن "هذه الجمعية تسعى لتحقيق أهداف الإسلام المتطرف". ونتيجة لهذا القرار، سيتم إغلاق أربعة مساجد للطائفة الشيعية في ألمانيا.
ويأتي هذا القرار في جو عام يجتاح أوروبا، حيث تعمل السلطات على قمع ومواجهة التحركات الداعمة لفلسطين والمنددة باستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتحت عنوان مكافحة معاداة السامية، فرضت الحكومات الأوروبية قيودًا شديدة على أي تجمعات أو أنشطة داعمة للشعب الفلسطيني، وسعت إلى منع الاحتجاجات ضد إسرائيل قدر الإمكان.
وبالعودة إلى حدث إغلاق المجمع الذي أداره في ستينات القرن الماضي أحد رموز الثورة الإيرانية وأول رئيس للسلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية محمد بهشتي، حيث بات المركز فيما بعد رمزًا له، وعليه اعتبر القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أن إجراءات التفتيش الألمانية للأماكن المرتبطة بمركز هامبورغ الإسلامي تصرف غير مبرر ويخالف قواعد ومعايير الحرية الدينية والفكرية.
وأضاف باقري أن الإجراءات ضد أحد أقدم المراكز الإسلامية منذ 70 عاما والحامل للإرث الثمين لمرجع الضمير الحي للشيعة في العالم آية الله البروجردي يشكل هدية للمتطرفين والعنيفين وداعمي الإرهاب. كما أشار القائم بأعمال وزير خارجية إيران في هذه القضية إلى إسرائيل بالقول إن النظام الإرهابي الإسرائيلي، الذي يستخدم كل حدث لصرف الرأي العام عن الإبادة الجماعية للفلسطينيين، رحب أيضًا بهذا الإجراء الذي قامت به الشرطة الألمانية
ما قصة هذا المجمع؟
بدأت فكرة إنشاء المركز الإسلامي في عهد الشاه وقبل انتصار الثورة الإسلامية وذلك بعد اجتماع عدد من الإيرانيين المقيمين في هامبورغ في فندق اطلانتيك عام 1953م وبحثهم ضرورة إنشاء مركز ديني خاص في هامبرغ لاجتماع المسلمين فيه. فقرّروا مفاتحة المراجع في إيران. فقاموا بإرسال رسالة إلى آية الله حسين البروجردي في 22 حزيران 1953 وطلبوا منه تأسيس مسجد للمسلمين هناك، فوافق علي الأمر وخصص مبلغاً كافياً لبناء المسجد وارسل الشيخ محمّد تقي محققي وكيلاً عنه للتصدّي لكافّة الشؤون الموكّلة اليه. فبدأ بناء المسجد عام 1960م وتم انتهاء منه عام 1965م، ثم عُيّن آية الله محمد بهشتي لرئاسة المركز.
اتبعت المؤسسة الدينية وخاصة في فترة آية الله العظمى المرجع الشيعي، سيد حسين بروجردي (1875- 1961)، سياسة الامتناع عن الدخول في العمل السياسي والتركيز والاهتمام بمشروع إعادة إحياء الحوزة الدينية من خلال الاهتمام الثقافي، وشهدت الحوزة في ذلك الزمان توسعًا داخليًّا وخارجيًّا وصل إلى كل قارات العالم، وبدا المشهد لدى الشاه أن المؤسسة ليست منافسًا سياسيًّا له، بل إن الكثير من الكتب الدينية التي طبعت في ذلك الزمان كانت بدعم وتمويل من البلاط، وتفتتح مقدمتها بالمديح للشاه، ولذلك كانت علاقة بروجردي بالشاه جيدة، حتى إنه لم يتدخل في انتقاده حتى في أحداث تأميم النفط، التي فضَّل أن يقول فيها: “إننا لا نفتي في أمور لا نعلم بها”. لذلك كان من الطبيعي أن لا يُقابل تأسيس هذا المركز المدعوم من الحوزة برفض الشاه آنذاك.
فيما بعد لم تأت حسابات الحقل وفق حسابات البيدر، حيث تحول هذا المكان إلى مركز اجتماع لهيئة الطلاب المسلمين في إيران بقيادة بهشتي وكان له دور كبير في الدفاع عن أفكار الإمام الخميني في منفاه في فرنسا وحين عودته إلى طهران بعد انتصار ثورته.
الجدير ذكره، أن بهشتي شُجِّع على قبول رئاسة المركز الإسلامي في هامبورغ بناءً على طلب المجتمع الإسلامي وتحفيز مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران روح الله الخميني. وفي أوائل الستينات، كان المجتمع المسلم الإيراني المقيم في ألمانيا يبحث عن شخصية قادرة على تلبية احتياجاتهم الدينية والثقافية وقيادة المركز الإسلامي في هامبورغ كمؤسسة دينية قوية وفعالة. لذلك، اقترح الخميني، الذي كان منفياً في النجف الأشرف في ذلك الوقت، على بهشتي تولي هذا المنصب نظرًا لعلمه الديني الواسع وإتقانه للغات الأجنبية وقدراته الإدارية. وبناءً على توصية وتحفيز الإمام، قرر بهشتي قبول هذه المسؤولية والذهاب إلى ألمانيا لـ”خدمة المجتمع المسلم هناك” وفق توصيفه.
خلال فترة إدارته، سعى بهشتي إلى تعزيز الهوية الدينية والثقافية للمسلمين من خلال عقد دروس دينية وتعليمية، مؤتمرات، وجلسات حوار مع ممثلي الأديان الأخرى، كما أقام علاقات وثيقة مع المجتمعات الإسلامية الأخرى في أوروبا وأسس اتفاقات واسعة. فأصبح هذا المركز مكاناً لتجمع وتنسيق الطلاب المسلمين الإيرانيين والمسلمين المقيمين في أوروبا ولعب دورًا رئيسيًا في إنشاء وتنظيم جمعيات الطلاب الإسلامية في الجامعات الأوروبية المختلفة.
كانت مهارة بهشتي في اللغة الألمانية وقدرته على تبسيط المواضيع المعقدة بلغة مفهومة للطلاب سببًا في استقبال المركز بحفاوة من المجتمع المضيف. ومن الخطابات الشهيرة لبهشتي في المركز الإسلامي في هامبورغ واحد يعود لعام 1977، حيث ألقاه بالألمانية أمام الطلاب الإيرانيين والمسلمين المقيمين في أوروبا، وركز فيه على أهمية الوحدة والتضامن بين المسلمين وأهمية التفاعل الإيجابي مع المجتمعات غير المسلمة، كما تناول التحليل السياسي والاجتماعي للعالم. مما ألهم الطلاب على المشاركة في المزيد من الأنشطة الإسلامية والثقافية والتأثير في المجتمع المضيف.
خلف بهشتي في رئاسة المركز شخصيات أخرى بارزة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثل محمد مجتهد شبستري، محمد خاتمي، ورضا رمضاني جيلاني. وحول سبب استبدال بهشتي بمجتهد شبستري، قال آية الله جيلاني: “كان من المفترض أن يتولى مجتهد شبستري هذه المسؤولية لمدة عام واحد ويعود الشهيد بهشتي بعدها، ولكن بسبب القيود التي فرضها النظام البهلوي لم يتمكن الشهيد بهشتي من العودة إلى هامبورغ، فتولى مجتهد شبستري الإدارة لمدة سبع سنوات. بعد ذلك، وقبيل انتصار الثورة، تولى محمد خاتمي إدارة المركز لمدة عام ونصف تقريبًا، لكن معظم تلك الفترة كان في حالة تنقل، حيث استقر في هامبورغ لمدة عشرة أشهر فقط، وبعد خاتمي تولى حاج آقا مقدم المسؤولية.”
هنا لمحة تاريخية عن الشخصيات التي تولت إدارة المركز منذ تأسيسه حتى الآن:
1. آية الله محمد محققي (1955-1965)
آية الله محمد محققي كان من العلماء البارزين الذين أسسوا المركز. خلال فترة إدارته التي استمرت عشر سنوات، ركز على وضع الأسس التنظيمية والعلمية للمركز، وتطوير بنيته التحتية لتكون قاعدة قوية للأنشطة الدينية والثقافية.
2. آية الله محمد بهشتي (1965-1970)
آية الله محمد بهشتي كان أحد القيادات الدينية المؤثرة في إيران، وله دور كبير في الثورة الإسلامية. خلال فترة إدارته، عمل على تعزيز الأنشطة التعليمية والثقافية في المركز، ونشر الفكر الإسلامي التقدمي.
3. آية الله محمد مجتهد شبستري (1970-1978)
آية الله محمد مجتهد شبستري هو مفكر إصلاحي معروف. خلال فترة إدارته، ركز على تطوير المناهج الدراسية وتعزيز الحوار الثقافي والديني، ودعم الأبحاث العلمية في المجال الإسلامي.
4. آية الله محمد خاتمي (1978-1980)
آية الله محمد خاتمي شغل لاحقًا منصب رئيس جمهورية إيران (1997-2005). خلال فترة إدارته للمركز، عمل على تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات، ونشر الفكر الإسلامي المعتدل.
5. آية الله محمد رضا مقدم (1980-1992)
آية الله محمد رضا مقدم أدار المركز لفترة طويلة نسبياً. كان له دور كبير في تطوير الأنشطة العلمية والدينية وتعزيز الأبحاث الإسلامية، وتحسين البنية التحتية للمركز.
6. آية الله محمد باقر الأنصاري (1992-1998)
آية الله محمد باقر الأنصاري ركز خلال فترة إدارته على تعزيز الدراسات الفقهية والقرآنية، ونشر المعرفة الإسلامية عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتطوير العلاقات مع المؤسسات الإسلامية الأخرى.
7. آية الله رضا حسيني نسب (1999-2003)
آية الله رضا حسيني نسب عمل على تعزيز الأنشطة الثقافية والدينية في المركز، وركز على بناء علاقات قوية مع المؤسسات الإسلامية حول العالم، وتحسين الخدمات التعليمية.
8. آية الله عباس حسيني قائم مقامي (2004-2009)
آية الله عباس حسيني قائم مقامي واجه خلال فترة إدارته تحديات سياسية واجتماعية عديدة. ركز على تعزيز الفكر الإسلامي المعتدل ودعم الأنشطة التعليمية والدينية وتطوير المناهج الدراسية.
9. آية الله رضا جيلاني رمضاني (2009-2018)
آية الله رضا جيلاني رمضاني قاد المركز خلال فترة توسع كبير في الأنشطة التعليمية والثقافية. كان له دور مهم في تعزيز الحوار بين الأديان ونشر الفكر الإسلامي المعتدل، وتطوير البنية التحتية للمركز.
10. حجة الإسلام والمسلمين محمد هادي مفتح (2018-)
حجة الإسلام والمسلمين محمد هادي مفتح تولى إدارة المركز منذ عام 2018. ركز على مواصلة تطوير الأنشطة التعليمية والدينية وتعزيز الأبحاث الإسلامية، وتحسين الخدمات المقدمة للمجتمع.
أهداف وأنشطة المركز
يسعى المركز إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية التي تشمل وفق توصيفه:
تعليم الدين الإسلامي: تقديم دروس ومحاضرات دينية للمسلمين.
الخدمات الاجتماعية: تقديم المساعدة والخدمات الاجتماعية للمسلمين المقيمين في ألمانيا.
تعزيز التفاهم بين الثقافات: تنظيم فعاليات وندوات لتعزيز الحوار بين المسلمين وغير المسلمين.
تقديم الفتاوى الشرعية: تقديم النصائح والإرشادات الدينية للمسلمين.
البنية التحتية
يتكون المركز من عدة أقسام:
المسجد: يحتوي على مسجد رئيسي حيث تقام الصلوات الخمس والجمعات، بالإضافة إلى المناسبات الدينية مثل رمضان وعيد الأضحى.
مكتبة: تحتوي على مجموعة واسعة من الكتب الإسلامية والمواد الدينية.
قاعة محاضرات: تستخدم لإلقاء المحاضرات والدروس الدينية والندوات.
مرافق تعليمية: تشمل قاعات دراسية حيث يتم تقديم دروس اللغة العربية والقرآن الكريم.
الأنشطة والفعاليات
يقوم المركز بتنظيم مجموعة متنوعة من الأنشطة والفعاليات، منها:
الدروس والمحاضرات: تتضمن دروس في الفقه، العقيدة، والقرآن الكريم.
الندوات والمؤتمرات: يتم تنظيم مؤتمرات وندوات حول قضايا المسلمين في أوروبا والعالم.
المناسبات الاجتماعية: احتفالات الأعياد، حفلات الزواج، والمناسبات الاجتماعية الأخرى.
البرامج الشبابية: تنظيم فعاليات خاصة بالشباب لتعزيز دورهم في المجتمع وتثقيفهم دينياً واجتماعياً.
التحديات
كغيره من المؤسسات الإسلامية في الغرب، واجه المركز الإسلامي في هامبورغ مجموعة من التحديات والمضايقات عبر تاريخه. حيث تعرض للمراقبة والاتهام بالتطرف مما قاد لمراقبة دقيقة من قبل السلطات الألمانية وبعض الأجهزة الأمنية، خصوصاً في أوقات التوتر السياسي أو الهجمات الإرهابية التي شهدتها أوروبا. وتم اتهام المركز ببعض الأحيان بتشجيع أو دعم الأفكار المتطرفة، على الرغم من نفي المركز الدائم لهذه الاتهامات.
ونظراً لأن العديد من رؤساء المركز كانوا من أصول إيرانية، وارتباط المركز بمؤسسات دينية إيرانية، اتهم المركز بأنه يمثل مصالح إيران في ألمانيا وأوروبا. هذا الأمر أدى إلى مضايقات دبلوماسية وتوترات سياسية بين الحكومتين الألمانية والإيرانية.
إلى ذلك، تعرض المركز لعدة تهديدات وهجمات، منها تخريب الممتلكات أو التهديدات بالقتل لبعض العاملين فيه. في بعض الأحيان، كانت هناك محاولات لتخريب أو إلحاق الضرر بالمبنى. كذلك طوق المركز بإجراءات أمنية مشددة في بعض الفترات، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، إذ زادت الإجراءات الأمنية حول المركز، مما جعل زيارته أو المشاركة في فعالياته أمراً صعباً للبعض من أفراد الجالية المسلمة.
وكجزء من المجتمع الألماني، واجه المركز موجة من الإسلاموفوبيا، حيث تعرضت الجالية المسلمة المحيطة بالمركز للتمييز والاضطهاد بسبب معتقداتهم الدينية. هذه المضايقات تشمل العنصرية، التعليقات السلبية، والتمييز في العمل والتعليم. كما تعرض المركز في بعض الأحيان لتغطية إعلامية صورته كمنبر للتطرف أو كمنظمة تعمل خارج القانون.
على المستوى الثقافي كان هناك تحدي مستمر في كيفية اندماج الجالية المسلمة وتفاعلها مع المجتمع الألماني الأكبر. كما أن بعض الأفراد في المجتمع الألماني كانوا ينظرون إلى المركز وأعضائه بشكوك وتحفظات، مما أثر على جهود المركز في تعزيز التفاهم الثقافي والديني.
من جانب أخر، بذل المركز جهودًا لتعزيز الحوار بين الأديان، إلا أنه واجه تحديات في بناء جسور حقيقية ومستدامة مع المؤسسات الدينية الأخرى في ألمانيا، وذلك بسبب الاختلافات الدينية والثقافية العميقة.
في الشق القانوني، واجه المركز تحديات مرتبطة بالتشريعات المحلية المتعلقة ببناء وتوسعة المنشآت الدينية، أو القيود على الأنشطة الدينية والتعليمية.