بين فكر روحاني وإرث رئيسي.. كيف سيخط بزشكيان نهجه في السياسة الخارجية؟
بعد أن فاز مسعود بزشكيان في الانتخابات المبكرة الرئاسية في إيران، التي عقدت إثر حادثة سقوط مروحية كانت تقل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وعدد آخر من المسؤولين، انطلقت التوقعات الخاصة بتوجهات عديدة عن السياسة الخارجية المقبلة في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية.
السياسة الخارجية في عهد رئيسي
منذ تولي رئيسي الرئاسة، اتبع نهجًا دبلوماسيًا يتّفق مع رؤية القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، ثم قدَّمت حكومته مشروع قانون للبرلمان بعنوان “مكافحة العقوبات“.
كما اتسمت سياسة إيران الخارجية في عهد رئيسي بشكلٍ متزايد بتمتين الروابط مع القوى الشرقية، لا سيما روسيا والصين، والابتعاد عن الانخراط الدبلوماسي مع الغرب.
وبحسب مراقبين، أحال مشروع القانون وزارة الخارجية إلى دور يعادل دور المستشار القانوني للرئيس. وقد سلطت هذه الخطوة الضوء على تراجع نفوذ وزارة الخارجية تحت قيادة رئيسي.
واستمرّت عملية تقويض دور وزارة الخارجية في السياسة الخارجية لإيران، وكان أبرز محطاتها في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، اعتماد خطة التنمية السابعة، والتي أدت إلى تهميش الخارجية من خلال استثناء القوات المسلحة، منظمة الطاقة الذرية ووزارة الاستخبارات من التنسيق مع وزارة الخارجية.
ودلّ على هذا التحوَّل في الدبلوماسية الإيرانية حدث عودة العلاقات مع السعودية في آذار/ مارس 2023، حيث تولى المجلس الأعلى للأمن القومي ممثلًا في أمانته (أمير سعيد إيرواني وعلي شمخاني) آنذاك مهمة التفاوض والتوقيع مع الجانب السعودي.
واتّسمت السياسة الخارجية في عهد رئيسي وفق الباحث الإيراني حميد رضا عزيزي، بأربع سمات أساسية: تحوّل استراتيجي نحو المركزية والعسكرة والسلطوية، تزايد دور الجهات غير الدبلوماسية في السياسة الخارجية، إعادة التوجيه نحو الشراكات الشرقية وإمكانية التعاون الإقليمي في ظلّ موقف المواجهة.
بزشكيان على خطى رئيسي؟
هنَّأ خامنئي في رسالته بشأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة بزشكيان بفوزه في الانتخابات، داعيًا إياه إلى مواصلة السير على طريق رئيسي.
وبهذا التوجيه، أصبح بزشكيان بحسب الباحثة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي، مطالبًا بسياسة أساسها تحييد العقوبات، فضلًا عن تحسين العلاقات مع الجوار، والتي في جوهرها الحفاظ على النفوذ الإقليمي لإيران والالتزام بدعم محور المقاومة، وهي التي كانت السمة البارزة لرئيسي وعبد اللهيان، الذي كان يلعب دورًا بارزًا في هذا السياق.
وأعلن بزشكيان خلال تصريح تلفزيوني عن التزامه بالبرنامج السابع للتنمية، أي أنّ التوجه الأساسي الذي حكم رئيسي في سياسته الخارجية سيظلّ قائمًا. لكن حملة بزشكيان في الوقت ذاته ركَّزت على ضرورة التعامل مع الغرب، بما يشمل القضية النووية، للحصول على تخفيف العقوبات وتحسين الظروف الاقتصادية للبلاد، فضلًا عن تجنب الحرب الإقليمية، وهو ما أثار تساؤلات عن شكل الدعم الذي ستقدمه حكومة إيران الجديدة لـ “محور المقاومة” في ظل اللحظة الحرجة التي تعيشها المنطقة.
خطوات تُنهي الشكوك
استحوذت القضية الفلسطينية وفي نطاق أوسع محور المقاومة على جزء كبير من نشاط وفاعلية السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رئيسي، إلى الحد الذي أُطلق على عبد اللهيان بعد الحرب في غزة “وزير خارجية المقاومة”.
وسبق لبزشكيان أن أعرب عن دعمه للمقاومة في مواجهة إسرائيل، إذ أعدّ برفقة جمع من البرلمانيين في العام 2008 مشروع قانون عاجل يُلزم الحكومة بالدعم الشامل لشعب فلسطين.
وبعد عمليّة “طوفان الأقصى” في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، قال بزشكيان إنّ “إسرائيل لن تجرؤ ثانية على القصف والاغتيال في أي مكان ووقت تريد”.
ولتبديد الشكوك عن أيَّ تغيَّر في السياسة الخارجية لإيران تجاه المقاومة ومحورها، رد بزشكيان على رسالتين تهنئة، إحداهما من أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله، والأخرى من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية.
وأكد بزشكيان في رسالته إلى نصر الله أنّ “نهج الدفاع عن المقاومة متجذّر في السياسات المبدئية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران”، مضيفًا أنّ “بلاده لطالما دعمت صمود ومقاومة الشعوب الإقليمية في مواجهة الكيان الصهيوني غير الشرعي”.
كما شدَّد في الرسالة الأخرى إلى هنية على أنّ “طهران مستمرّة في دعمها الشامل للشعب الفلسطيني حتى تحقيق جميع أهدافه واسترداد حقوقه وتحرير القدس”.
ملامح السياسة الخارجية لبزشكيان
رسم بزشكيان في مقالين له، أحدهما بالعربية والآخر بالإنكليزية، ملامح سياسته الخارجية، متحدثًا عن رؤيته تجاه العلاقات الإقليمية والدولية على حد سواء.
ولم تبارح سياسة الجوار جدول أعمال بزشكيان، إذ أكد في مقالته على أن الأولوية القصوى للسياسة الخارجية الإيرانية هي توسيع التعاون مع الجيران، وأنّ حكومته ستسعى جاهدةً إلى الحفاظ على توجّه الحكومة الحالية في توطيد العلاقات مع الدول الجارة.
ولفت بزشكيان إلى أنّ حكومته المنتظرة “ستعمل على الارتقاء بالعلاقات الثنائية معها على أساس الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية ووحدة أراضي الدول، إذا ما أبدت دول المنطقة تعاونًا نشيطًا وثنائيًا”، داعيًا إلى “إنشاء نظام تعاون وأمن جماعي بين الدول المتجاورة”.
كما يرى بزشكيان “الحوار العميق والبنّاء والهادف لتأسيس التعاون على مختلف الأصعدة والمجالات السبيل الوحيد لاجتياز التحدّيات والاضطرابات الراهنة”.
وجاء في كلام الرئيس الإيراني المنتخب أنه “يؤمن تمامًا بأنّ دول الجوار والدول الشقيقة لا يتعيّن أن تهدر موارد بعضها بعضًا لأجل منافسات استنزافية وسباق تسليح وتحجيم غير مبرّد”، وتابع: “وعوضًا عن ذلك، هدفنا يجب أن يكون تشكيل منطقة تُخصّصُ فيها موارد الجميع للتنمية وتقدّم المنطقة لصالح الكل”.
وبشأن العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة، استهلّ بزشكيان مقالته الثانية بالإشارة إلى إجراء انتخابات “تنافسية وسلمية ومنظمة”، ومدى التزام الشعب الإيراني بالانتقال الديمقراطي للسلطة حتى في الظروف الصعبة.
وفي إطار رؤيته للعالم خلال الفترة القادمة، سمَّى بزشكيان دولًا يتطلّع للتعاون معها، فضلًا عن المنظّمات الإقليمية، إذ أكد على تطلعه إلى التعاون مع “تركيا، السعودية، سلطنة، العراق، البحرين، قطر، الكويت، الإمارات والمنظمات الإقليمية، بهدف توطيد العلاقات الاقتصادية وتعزيز العلاقات التجارية والارتقاء بالاستثمارات المشتركة ومواجهة التحديات المشتركة، والتحرّك نحو تشكيل إطار إقليمي للحوار وبناء الثقة والتنمية”.
وعن العلاقات مع روسيا والصين، اعتبر بزشكيان أنً هاتين الدولتين “صديقتان وداعمتان لإيران في الأيام الصعبة”، كما أكد أنّ روسيا حليف استراتيجي لإيران، والتزامه بتعزيز وتطوير التعاون الثنائي بين طهران وموسكو.
ولم يفت بزشكيان في مقالته إبراز رؤيته نحو العلاقات مع أميركا اللاتينية، إذ كتب أن حكومته ستسعى إلى الحفاظ على العلاقات معها وتوطيدها بهدف دفع التنمية والتباحث والتعاون في كافة المجالات.
وعبّر بزشكيان عن استعداده لإجراء مباحثات بنَّاءة مع الدول الأوروبية لتوجيه علاقاتهما إلى المسار الصحيح بجهود مشتركة، وفقًا لمبدأ الاحترام المتبادل والمساواة. واعتبر الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين قد أساؤوا استغلال نظام عدم الانتشار النووي لخلق أزمة مصطنعة بشأن البرنامج النووي السلمي لإيران، وممارسة ضغوط مستمرة على شعب إيران. كما كرر التهديد بالخروج من معاهدة NPT بصورة غير مباشرة، إذ قال: “في الوقت ذاته لم تفوَّت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الفرصة التاريخية لتقليل التوترات وإدارتها في المنطقة والعالم فحسب، وإنما أضعفوا بجدية معاهدة حظر الانتشار NPT، لأنهم أثبتوا أنّ كلفة الالتزام بمبادئ حظر الانتشار قد تفوق الفوائد التي قد يقدمها”.
وشدَّد بزشكيان ثانيةً على أنّ العقيدة الدفاعية لإيران لا تشمل تصنيع الأسلحة النووية، وأنّ البرنامج النووي الإيراني سلمي، منوّهًا إلى حضور إيران إلى طاولة المفاوضات، والسياية المنفتحة بالنسبة لأوروبا، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فالتفاوض مرتبط بتغيير جاد في النهج الأميركي.
على خلفية ما سبق، من الجدير ذكره أن حكومة بزشكيان وإن كان فريق سياستها الخارجية يندرج من إطار فكري شبيه إلى حد ما بالإطار الذي كان مع حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني، إلا أن الظروف التي ستبدأ فيها العمل تختلف تمامًا عمَّا كانت عليه 2013، حيث يعتقد كثيرون بأنه لا إمكانية لإحياء الاتفاق النووي، في ظلّ احتمالية عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض.