منظمة التعاون لغرب آسيا.. راية يستطيع بزشكيان رفعها
حان الوقت لإنشاء منظمة إقليمية شاملة تتسم بالكفاءة: منظمة التعاون لغرب آسيا، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لديه مؤهلات تتيح له المبادرة لإنشاء هذه المنظمة الإقليمية.
سلّط النمو الكبير واللافت للمنظمات الدولية خلال القرن العشرين الضوء على دورها الأساسي في تحقيق السلام الدولي والرفاهية العامة.
ويُعتبر وجود المنظمات الإقليمية امتدادًا وتوسّعًا للمنظمات الدولية، في حين أصبح التعاون الإقليمي أكثر أهمية بالنسبة للحكومات بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة منذ الستينيات فصاعدًا، حيث اعتُبِر تطوير التعاون داخل المنظمات الإقليمية نهجًا للتعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية وزيادة قدرة الدول على مواجهة التحديات العالمية المعاصرة من خلال الجهود المشتركة لدول المنطقة.
تعمل المنظمات الإقليمية وفق التعريف الذي تقدمه لنفسها كأدوات للحفاظ على السلام والأمن الإقليميين وتسهيل التعاون، وحيث أنَّ التهديدات والأزمات تجبر القادة والسياسيين على اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر، يأتي دور المنظمات الاقليمية التي تلعب دورًا رئيسيًا في المواقف الحرجة، لا سيّما أنّ المشاكل والأزمات المختلفة العابرة للحدود في القرن الحادي والعشرين تتطلّب بذل جهود دولية وإقليمية مشتركة. ومن الأمثلة على هذه الأزمات الحروب والصراعات، تغيّر المناخ، الفقر، عدم المساواة، حقوق الإنسان الأوبئة، أزمة اللاجئين والإرهاب.
تواجه منطقة غرب آسيا العديد من المشاكل والأزمات، باعتبارها إحدى المناطق الجيوسياسية المهمة في العالم. وعلى الرغم من التاريخ والثقافة واللغة والتقارب الجغرافي المشترك بين دول هذه المنطقة، إلا أنّ غياب المنظمات الإقليمية الشاملة والفعالة والكفؤة واضح للغاية، كما أنّ القضايا والأزمات المتعددة في غرب آسيا تسلّط الضوء على الحاجة الملحّحة إلى استجابة إقليمية منسقة وفعالة، حيث أنّ التحديات مثل التوتر والصراع والإرهاب وتغير المناخ والفقر والإبادة الجماعية تؤكد على ضرورة الاستجابة الإقليمية والدولية الفعالة.
إنَّ هذه التحديات المعقدة والمستمرة لا يمكن حلها إلا من خلال الجهود المشتركة لدول المنطقة، لأنّ الجهود الفردية والأحادية التي تبذلها الحكومات للتعامل مع هذه الأزمات غير كافية، وهناك حاجة أكبر إلى نهج إقليمي منسق ومتقارب. وفي هذا الصدد، فإنّ إنشاء منظمة إقليمية شاملة وفعالة يمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا في تحسين الوضع في المنطقة.
وفي عالم اليوم، لا يستطيع أي بلد أن يواجه بمفرده تحديات معقّدة ومتعددة الأبعاد، لذلك فإنّ التعاون الإقليمي كحل أساسي للتعامل مع الأزمات والمشاكل في غرب آسيا يمكن أن يساعد دول هذه المنطقة على تقديم حلول مستدامة وفعالة باستخدام الموارد والقدرات المشتركة، كما يمكن للتعاون الإقليمي أن يؤدي إلى زيادة الاستقرار والأمن والرفاهية العامة وتوفير منصة مناسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة.
إنّ المشاكل الإقليمية تحتاج إلى حلول إقليمية، لذلك تعمل المنظمات الإقليمية كأدوات للرجل الحكيم للحفاظ على السلام والأمن الإقليميين، فضلًا عن تسهيل إنجاز المهمات وتحقيق التعاون الإقليمي.
ينشأ التعاون الاقليمي عندما يكون لدى الجهات الفاعلة تفاعل مستمر مع بعضها البعض. وفي هذا الإطار، عملت المنظمات الدولية والإقليمية على رفع تكاليف الخداع بين الدول وانطلقت نحو تحديد مصالح الحكومات والجهات الفاعلة الأخرى.
والآن، حان الوقت لتغيير الأنماط وتكثيف التعاون الإقليمي، حيث يتعيّن على دول المنطقة أن تتحرّك نحو إنشاء منظمة إقليمية شاملة وفعالة وكفوءة، لأنّ تأسيس هذه المنظمة يمكن أن يكون الأساس للتعاون المفيد والفاعل بين دول غرب آسيا، كما يمكن لهذه المنظمة أن تعمل كهيئة تنسيقية لإدارة الأزمات وتسهيل المفاوضات وتعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء، إضافة إلى أنَّ هذه المنظمة تتمتع بالقدرة على صياغة وتنفيذ سياسات مشتركة في مختلف المجالات بما في ذلك الأمن والاقتصاد والبيئة وحقوق الإنسان.
لقد أظهرت آثار وتداعيات الأزمة الكبيرة والواسعة التي تشهدها منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا للجميع أنه لا يمكن التغلّب على الأزمات دون تضافر جهود جميع الدول وتحقيق التعاون الإقليمي، كما أنّ الأزمات الإقليمية الأخيرة تذكرنا بمدى ترابط عالمنا وتؤكد أهمية التعاون في التصدي بفعالية للتحديات الإقليمية. لذلك، اليوم هو الوقت المناسب لإنشاء منظمة إقليمية شاملة وفعّالة وكفؤة: منظمة التعاون لغرب آسيا.
يمكن لإيران أن تلعب دورًا قياديًا في إنشاء منظمة التعاون لغرب آسيا والنهوض بها، باعتبار أنّ إيران إحدى الدول المهمة والمؤثرة في المنطقة، كما يمكن للرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان أن يحمل راية إنشاء هذه المنظمة الإقليمية ويتخذ خطوات لتحقيق هذا الهدف، لا سيّما أنَّ النظرة غير التقليدية للدين والشريعة التي يتمتع بها الرئيس الإيراني بزشكيان ستساعد على نجاح هذا الأمر، إضافة إلى أنَّ هوية الرئيس الإيراني الجديد وقدرته على التواصل مع الدول التركية وامتلاكه فريق قوي في السياسة الخارجية، عوامل هامة ستجعل الطريق نحو تحقيق هذا الهدف سلسًا للغاية.
إنَّ نجاح هذا الأمر سيساعد في تعزيز مكانة إيران في المنطقة، كما سيؤدي أيضًا إلى بسط السلام والأمن في غرب آسيا، حيث أنَّ إنشاء منظمة إقليمية شاملة وفعالة له أهمية خاصة بالنسبة لغرب آسيا، لأنه سيعزز الاعتماد على التعاون الإقليمي، حتى تستطيع هذه المنظمة التعامل مع التحديات المعقدة والأزمات المتعددة في هذه المنطقة وتصبح أساس التنمية والرفاهية العامة، ومن هذا المنطلق يمكن أن يساعد دور إيران في المبادرة بإنشاء هذه المنظمة في تحقيق هذا الهدف وقيادة المنطقة إلى مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا.
رامين كياني (الأمين السابق لمنتدى العلاقات الدولية العلمي- جامعة طهران)
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها