الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة23 يونيو 2024 19:41
للمشاركة:

مكانة القضية الفلسطينية في السباق الإيراني نحو قصر باستور

المقدمة

منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تبوأت القضية الفلسطينية مكانة مركزية في السياسة الإيرانية. حيث أصبح مسار “دعم فلسطين ومقاومة الكيان الصهيوني” جزءًا لا يتجزأ من المبادئ الثورية والدينية للجمهورية الإسلامية. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، تزداد أهمية النظر إلى موقعية فلسطين في محورية الخطاب السياسي الإيراني، الأمر الذي يعكس مدى التزام الجمهورية الإسلامية المستمر بهذه القضية في سياق التغيرات الإقليمية والدولية. لا سيما وأن المرشحين لرئاسة الجمهورية والتيارات السياسية التي ينحدرون منها تؤكد على دعم فلسطين لتعزيز مواقفها وإظهار التزامها بالمبادئ الوطنية والدينية.

الجذور التاريخية

  • الثورة الإسلامية وتبني القضية الفلسطينية

منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة الإسلامية، اعتبرت القيادة الإيرانية الجديدة فلسطين قضية محورية تجسد معاني النضال ضد الظلم والاستعمار. وأعلن الإمام الخميني أن “القدس هي قضية المسلمين الأولى”، مؤسسًا ليوم القدس العالمي، الذي يهدف إلى توحيد المسلمين حول دعم فلسطين ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي. وقد شكل هذا الالتزام تجاه فلسطين جزءًا أساسيًا من الهوية الثورية والدينية لإيران

  • الأيديولوجية الثورية ورفض الكيان الصهيوني

ترى إيران في إسرائيل جزءًا من مشروع الهيمنة الغربية على الشرق الأوسط. من هذا المنطلق، تعتبر رفض إسرائيل ليس فقط موقفًا سياسيًا بل ضرورة دينية وأخلاقية. كما يعزز هذا الرفض من موقف إيران في العالم الإسلامي، حيث يُنظر إلى دعمها للفلسطينيين على أنه امتداد للنضال ضد الاستعمار والظلم. كذلك تعتبر إيران أن مواجهة إسرائيل يأتي في سياق دعمها للمقاومة ضد الظلم ودعوة للعدالة، مما يضفي شرعية على مواقفها في العالم الإسلامي.

  • التعاون مع الفصائل الفلسطينية

تطورت العلاقات بين إيران والفصائل الفلسطينية المقاومة إلى شراكة استراتيجية عميقة. حيث قدمت إيران دعمًا ماليًا وعسكريًا وتقنيًا لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، مما عزز من قدرات هذه الفصائل على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. كما أن هذا الدعم يعكس التزام إيران المستمر بدعم المقاومة كجزء من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها الإقليمي ومواجهة التوسع الإسرائيلي.

أثر السياسة الداخلية على دعم إيران لفلسطين

دور التيارات السياسية

رغم التوافق على أهمية دعم فلسطين، تختلف التيارات السياسية داخل إيران في كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية:

  • المحافظون المتشددون: يرون في دعم المقاومة المسلحة جزءًا لا يتجزأ من الواجبات الدينية والوطنية. على سبيل المثال، المرشح للانتخابات الرئاسية سعيد جليلي، الذي يعتبر ممثل هذا التيار، يرى أن المقاومة المسلحة الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة للفلسطينيين، ويرفض أي تسوية مع إسرائيل. حيث يقول إن “القضية الفلسطينية لا يمكن حلها إلا من خلال المقاومة المستمرة. يجب علينا دعم جميع أشكال المقاومة حتى تحرير فلسطين بالكامل“.
  • المحافظون التقليديون: مثل المرشح الرئاسي محمد باقر قاليباف، يدعمون المقاومة الفلسطينية من منطلقات ثورية ودينية، لكنهم يوازنون بين دعم المقاومة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. قاليباف يؤكد: “دعم المقاومة الفلسطينية هو جزء لا يتجزأ من سياساتنا. يجب علينا أن نستمر في تقديم الدعم اللازم لهم في نضالهم العادل ضد الاحتلال“.
  • الإصلاحيون:  يبرز من هذا الفريق شخصيات مثل وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف الذي يظهر الأن إلى جانب المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان ويعبر عن الكثير من مواقف الأخير المتعلقة بالسياسة الخارجية. في هذا السياق، يدعو هذا الفريق إلى تعزيز الدبلوماسية الإيرانية لتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي، مع الاستمرار في دعم حقوق الفلسطينيين. كما أنهم يفضلون استخدام القنوات الدبلوماسية للدفاع عن الفلسطينيين وتحقيق التوازن بين التزامات إيران الثورية وانخراطها الدولي. يقول ظريف: “إيران ستظل داعمة للشعب الفلسطيني. نحن نؤمن بحقوقهم المشروعة وسنعمل على تعزيزها من خلال الجهود الدبلوماسية والمشاركة في المنظمات الدولية”. كذلك، صرح مؤخرًا الإعلامي الإصلاحي المعروف مشاء الله شمس الواعظين الذي وصفته وسائل الإعلام بممثل المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان بالقول إن “أي حكومة في إيران لا يمكنها أن تكون غير مبالية بالأوضاع في الفترة التي ستلي حرب غزة الدائرة حاليًا بما فيها إعادة الإعمار”، مرجعًا خلال مقابلة في برنامج “أفق فلسطين” هذا الأمر إلى سياسة النظام الإسلامي في إيران الذي وفق تعبيره “تدعم فلسطين سواءً أثناء الحرب أو بعدها”.
  • المعتدلون: ممثلون بشخصيات مثل الرئيس السابق حسن روحاني، حيث يسعون إلى تحقيق توازن بين دعم المبادئ الثورية والانخراط البناء في الساحة الدولية. كما يدعون إلى حلول سلمية وتحقيق الاستقرار الإقليمي، مع الاستمرار في دعم المقاومة الفلسطينية. روحاني يقول: “نحن ملتزمون بدعم حقوق الفلسطينيين، ونسعى إلى تعزيز هذا الدعم من خلال السبل الدبلوماسية والاستراتيجيات التي تحقق الاستقرار في المنطقة“.

التأثير في الانتخابات

تلعب القضية الفلسطينية دورًا بارزًا في الانتخابات الإيرانية، حيث يستخدمها المرشحون لتعزيز شعبيتهم بين الناخبين الذين يعتبرون دعم فلسطين جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثورية والدينية لإيران. تُستخدم القضية لإظهار التزام المرشحين بالقيم الوطنية والدينية ولتعزيز انتمائهم الوطني والديني في ظل الدعم الشعبي الواسع للفلسطينيين.

فلسطين والسياسة الخارجية الإيرانية

  • استراتيجية النفوذ الإقليمي

تعتبر إيران دعمها الثابت للفلسطينيين وسيلة لتعزيز نفوذها في المنطقة. من خلال تقديم الدعم للفصائل المقاومة، تضمن إيران وجود حلفاء لها على حدود إسرائيل، مما يعزز من قدرتها على ممارسة الضغط في الصراع الإقليمي. وتعتبر هذه الاستراتيجية جزءًا من نهجها الأوسع لمواجهة الهيمنة الغربية وتعزيز دورها كقوة إقليمية رئيسية.

  • القضية الفلسطينية كواجب ديني وأخلاقي

إلى جانب الأبعاد الاستراتيجية، ترى إيران في دعمها للفلسطينيين قضية مبدأية وأخلاقية. يعتبر الوقوف إلى جانب الفلسطينيين والدفاع عن المقدسات الإسلامية في القدس واجبًا دينيًا وشرفًا أخلاقيًا. تعزز هذه الرؤية من شرعية المواقف الإيرانية في عيون الشعوب الإسلامية وتضفي عليها طابعًا مقدسًا.

  • ما بعد “طوفان الأقصى” وتصعيد المواجهة

تغيرت طبيعة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بشكل كبير بعد عمليات “طوفان الأقصى” وما تلاها من تصعيد في الاعتداءات على غزة والضفة الغربية. أصبحت نصرة فلسطين أمرًا يوميًا في ظل الإبادة الجماعية التي تشهدها هذه المناطق. يبرز هذا التصعيد الدور الحاسم لدعم المقاومة الفلسطينية كجزء من الدفاع عن حقوق الإنسان والمبادئ الأخلاقية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة.

  • انخراط جبهة المقاومة ودور إيران المباشر

إيران تلعب دورًا رئيسيًا في محور المقاومة الذي يمتد من اليمن إلى بغداد، مرورًا بلبنان وسوريا. حيث يلعب المحور دورا مساندا على كافة الصعد العسكرية وغيرها وبعد الاعتداء الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق، قامت إيران برد مباشر على إسرائيل، مما يعكس استعدادها للدفاع عن حلفائها وانخراطها المباشر في المواجهة مع الكيان الصهيوني. هذا الانخراط يعزز من موقع إيران كقوة فاعلة في المنطقة وقادرة على التأثير في مجريات الصراع مع إسرائيل. خصوصًا أن هذه الخطوة كانت إيذانًا بمغادرة الطرفين الإيراني والإسرائيلي مساحة حرب الظل التي امتدت منذ بدايات الحرب السورية قبل أكثر من عشر سنوات.

  • علاقات التطبيع العربية وتهديداتها

يشكل التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل تحديًا استراتيجيًا لإيران. ترى إيران في هذه التحالفات محاولة لإضعاف محور المقاومة وزيادة العزلة عليها. ردًا على ذلك، تسعى إيران لتعزيز علاقاتها مع دول الجوار من خلال مقاربة جديدة تهدف إلى تقوية التحالفات الإقليمية وتوجيه رسالة واضحة بأنها مستعدة للدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها في مواجهة أي تهديدات.

  • التحولات في المنطقة وأهمية الملف الفلسطيني

تشهد المنطقة تحولات استراتيجية عميقة تجعل الملف الفلسطيني محورًا رئيسيًا على الطاولة الإيرانية. تصاعد العنف والانتهاكات ضد الفلسطينيين يعزز من ضرورة استمرار الدعم الإيراني لهم. تعتبر هذه التحولات جزءًا من التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها إيران، مما يتطلب منها توازنًا دقيقًا بين الدعم العسكري والدبلوماسية للحفاظ على استقرارها وتعزيز دورها الإقليمي.

القضية الفلسطينية في برامج المرشحين للرئاسة

المحافظون المتشددون: سعيد جليلي

  • التوجه: محافظ متشدد
  • الأسلوب: دعم غير مشروط للمقاومة المسلحة، رفض التسويات
  • الهدف: تحرير فلسطين بالكامل من خلال المقاومة

سعيد جليلي يعتبر أن دعم الفصائل المسلحة هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة للفلسطينيين، ويرى في مقاومة إسرائيل التزامًا دينيًا لا يمكن التنازل عنه. يؤكد جليلي: “المقاومة هي السبيل الوحيد لتحقيق حقوق الفلسطينيين“.

المحافظون التقليديون: محمد باقر قاليباف

  • التوجه: محافظ تقليدي
  • الأسلوب: دعم شامل للمقاومة، الحفاظ على الاستقرار الإقليمي
  • الهدف: دعم المقاومة ضمن استراتيجيات دفاعية شاملة

محمد باقر قاليباف يلتزم بدعم المقاومة الفلسطينية لكنه يركز أيضًا على أهمية الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتعزيز نفوذ إيران في المنطقة. يقول قاليباف: “دعم المقاومة الفلسطينية هو جزء لا يتجزأ من سياساتنا“.

الإصلاحيون: مسعود بزشكيان

  • التوجه: إصلاحي
  • الأسلوب: دعم دبلوماسي وسياسي، تعزيز القضية في المحافل الدولية
  • الهدف: حقوق الفلسطينيين ضمن إطار العلاقات الدولية

محمد جواد ظريف كأحد اهم الوجوه الدبلوماسية العاملة إلى جانب بزشكيان حاليًا يسعى لاستخدام الدبلوماسية لتعزيز حقوق الفلسطينيين، مشددًا على ضرورة تحقيق التوازن بين التزامات إيران الثورية وانخراطها الدولي. يؤكد ظريف: “سنعمل على تعزيز حقوق الفلسطينيين من خلال الجهود الدبلوماسية”. علاوة على ذلك، يشير مشا الله شمس الواعظين إلى أن “المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان يتوقع أن تبذل الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية بعد حرب غزة مباشرة جهدًا لتحديد مصير مختلف للقضية الفلسطينية يقوم بالحد الأدنى على القرارات الدولية 242 و 338 وذلك بهدف تثبيت الوضع الحالي لإسرائيل وأن لا تتورط في المستقبل بأضرار أكثر من تلك التي طالتها خلال هذه الحرب”. كما أوضح شمس الواعظين أن “المقاومة في الشرق الأوسط الجديد بعد حرب غزة ستتمتع بمكانة عالية”، معللًا ذلك بتزايد انتشار الاستعداد للتطوع في صفوف المقاومة في المساحات الشعبية في الكثير من البلدان العربية على إثر هذه الحرب”.

الخاتمة

تظل القضية الفلسطينية محورًا رئيسيًا في السياسة الإيرانية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وذلك لأنها قضية تهم النظام ككل وتنشط فيها جميع مؤسسات الدولة الإيرانية، إذ لا يقتصر القرار وأسلوب التعاطي معها على السلطة التنفيذية التي يتناوب عليها تيارات لديها تمايزاتها المذكورة أعلاه. لذلك، على ضوء الانتخابات المقبلة التي تشارك فيها هذه التيارات، يتضح أن قضية فلسطين ستستمر في التأثير على الخطاب السياسي، كما أنها من المتوقع أن تعتبر معيارًا لالتزام المرشحين بالقيم الثورية والدينية لإيران. وعلى الرغم من التحديات الجديدة التي تفرضها التحولات الإقليمية والدولية، فإن دعم فلسطين بأشكاله المختلفة سيظل جزءًا لا يتجزأ من هوية واستراتيجية إيران في المنطقة.

المراجع والمصادر:

  • مقالات وأخبار وتحليلات سياسية حول دور إيران في دعم القضية الفلسطينية.
  • تقارير منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية حول الدعم الإيراني للفلسطينيين.
  • بيانات من الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان حول المواقف الإيرانية من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
  • منشورات ودراسات أكاديمية حول التأثير الإيراني في الشرق الأوسط ودعمها للمقاومة الفلسطينية.

لمتابعة تغطية “جاده إيران” للانتخابات الرئاسية الإيرانية تحت عنوان “إيران.. الصندوق بعد المروحية” إضغط هنا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: