اتفاقية التعاون الشامل بين موسكو وطهران وتناقض التصريحات
بدأت المستجدات الأخير بشأن اتفاق التعاون مع تواجد القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني في روسيا للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية منظمة "بريكس"، وقد أتت الإشارة الأولى على لسان مدير مكتب الإدارة الآسيوية الثانية لوزارة الخارجية الروسية ضمير كابولوف، والتي نقلتها وكالة الأنباء الحكومية في روسيا رايانوفستي، عندما أعلن عن توقف عملية تنظيم اتفاق التعاون الشامل بين موسكو وطهران لفترة وجيزة.
وقال كابولوف في هذا الصدد: “إنّ إبرام اتفاقية التعاون الشامل بين موسكو وطهران هو قرار استراتيجي لقادة البلدين، الذي لم يفقد أهميّته أبدًا، وتمّ تعليق عملية العمل على الاتفاقية بسبب مشاكل في الجانب الإيراني، لكن ليس لدي أدنى شك بأنّ هذا العمل سيتم الانتهاء منه. وبعد الانتهاء من النص، سيقرّر زعماء البلدين متى وأين سيتم التوقيع على الاتفاقية”.
وبعد ساعات من هذا الإعلام، قال المتحدث باسم الكرملين الروسي ديميتري بيسكوف: “العمل مستمر على الاتفاق الشامل بين إيران وروسيا، لكنّ البرنامج الزمني تغيَّر قليلًا بسبب الانتخابات الرئاسية في إيران”.
وفي سياق متّصل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع وزراء خارجية دول “بريكس”: “تم الاتفاق بشكل كامل على نص معاهدة التعاون الشامل الجديدة مع إيران”، مؤكدًا أنّ بلاده ملتزمة بإنشاء معاهدة تعاون مع إيران ومستعدة للقيام بذلك فور حل طهران للمسائل الإجرائية. و أضاف لافروف أنّ روسيا ترى محاولات الدول الغربية للّعب بـ”الورقة النووية”.
و قبل ذلك، نفت وكالة “إرنا” الرسمية خبر تعليق العمل على اتفاقية التعاون الشامل. ثم توالت الردود الإيرانية، وجاء الرد الرسمي الأول على لسان سفير إيران في روسيا كاظم جلالي، الذي صرّح: “أعطيت نص هذا الخبر الذي كان باللغة الروسية لأصدقائي المترجمين؛ وقد لاحظنا أنّ النص الروسي يختلف عن النص الفارسي”.
وأردف جلالي: “ورد في النص الفارسي أنّ ضمير كابولوف قال إنه بشكل عام الاتفاق الشامل الذي كان من المفترض إبرامه بين إيران وروسيا، أوقفه الإيرانيون، في حين أنّ هذا ليس هو الحال في النص الروسي”.
وذكّر سفير إيران في روسيا بأنّ هذه المشكلة تحصل دائماً، وتابع: “الحقيقة هي أننا كنّا نعمل على اتفاقية التعاون الشامل بين البلدين لمدة عامين”.. من الطبيعي أن يتم إجراء العديد من المناقشات بين الخبراء، ويتم تبادل أحدث الإصدارات من النصوص بشكل منتظم مع بعضهم البعض، في المرة الأخيرة، قام الأصدقاء الروس بتسليم النص إلى الجانب الإيراني. وأمس، في لقاء لافروف مع علي باقري كني، أثيرت مسألة وضع اللمسات النهائية على هذا النص في أسرع وقت ممكن”.
وأكمل: “عليهم تنسيق وتنظيم العمل مع مختلف المؤسسات داخل الدولة، وهو ما يستغرق وقتًا طويلًا بالتأكيد. نحن نسعى لوضع اللمسات الأخيرة على هذه الاتفاق من قبل سلطات البلدين في عام 2024.. ابراهيم رئيسي وحسين أمير عبد اللهيان كانا متمسّكين جدًا بهذا الموضوع، وآخر حديث لنا مع الشهيد أمير عبد اللهيان كان لطرح هذه القضية على مرحلة التوقيع في أقرب وقت ممكن”.
وعلى الرغم من توضيحات السفير الإيراني في روسيا، أصبحت هذه القضية على الفور عنوانًا رئيسيًا لتعليقات المسؤولين الروس الآخرين. والنقطة اللافتة في تصريحات كابولوف هي أن أيًّا من المسؤولين الروس، رغم محاولتهم تقديم المزيد من التوضيحات، لم ينكر النقطة الأساسية في الخبر، وهي تأخير التوقيع على نص الاتفاق الشامل بين البلدين.
الرد الرسمي الإيراني الثاني جاء على لسان باقري كني في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجموعة “بريكس”، حيث قال: إيران وروسيا دولتان جارتان تربطهما علاقات تاريخية عميقة الجذور، وخلال الأعوام الماضية، توسعت مجالات العلاقات بين ايران وروسيا كثيرًا، كما أتاحت التهديدات المشتركة ضد البلدين فرصًا مشتركة”.
وأردف: “من هذا المنطلق، فإن البلدين عازمان على تطوير تعاونهما الثنائي في مختلف المجالات، ويظهر الاتجاه المتزايد للتعاون بين البلدين أن قادة البلدين عازمون على تعزيز العلاقات والاستفادة من كافة الفرص، بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين”.
وبعد عودته من روسيا، وردًّا على سؤال عن وضع توقيع اتفاق التعاون الشامل بين البلدين، قال باقري كني: “لم يكن هناك أي انقطاع في محادثات وضع الصيغة النهائية لوثيقة التعاون الشامل بين إيران وروسيا، وهي تسير في مسارها الطبيعي. وكانت هذه الوثيقة قيد مراجعة الخبراء لبعض الوقت بين الطرفين الإيراني والروسي. وينبغي عقد اجتماع آخر للخبراء لوضع الصيغة النهائية للوثيقة”.
وتشير متابعات موقع “جماران” الإخباري إلى أن النص النهائي للاتفاق الشامل لا يزال قيد التفاوض، ونتيجة لذلك لم تكتمل بعد خطوات التفاوض النهائية والتوقيع على هذا الاتفاق.
ويبدو أنه نظرًا لقرب إيران من إجراء انتخابات رئاسية وتولي الحكومة الجديدة، فإنّ موسكو تفضل تأجيل العمليّات المتبقية وتوقيع الاتفاق مع الرئيس الإيراني الجديد.
في غضون ذلك، يرى بعض الخبراء أنّ تعزيز نهج التطلّع إلى الشرق وتعزيز العلاقة الشاملة بين إيران وروسيا في المجالات كافة، بما في ذلك المجال العسكري، هو خيار أعلى هيئات صنع القرار في إيران، وأنّ التوجه السياسي للحكومة الجديدة سيكون له تأثير على هذا الاتجاه.
من جهته، رأى سفير إيران السابق لدى الاتحاد السوفياتي وروسيا نعمت الله إيزدي أنّ تصريحات كبار الدبلوماسيين الروس عن هذه القضية تدلّ على ارتباط هذه القضية بالانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران والأهمية الكبيرة التي توليها روسيا للتطوّرات الإيرانية الداخلية.
ويرى إيزدي أن موسكو تظن أنه من الممكن التوصل إلى اتفاقات في مفاوضات التعاون طويل الأمد مع الحكومة الإيرانية الحالية، لكن قد لا توفق عليها الحكومة الإيرانية المقبلة، لذلك تفضّل إيقاف عملية التوقيع تحت أي ذريعة في الوقت الحالي حتى يتم تحديد شروط الحكومة المقبلة في إيران وإعادة تقييم الأوضاع.