الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة20 مايو 2024 07:35
للمشاركة:

حسين أمير عبد اللهيان.. دبلوماسية الحرس وكرات النار

مع رحيله إثر تحطّم المروحية الرئاسية، ختم وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان سيرته كعنصر أساسي في المدرسة الدبلوماسية التقليدية لبلاده، عَبَرَ فيها من بغداد إلى المنامة، وحافظ فيها على دراية وعلاقات قوية بكل ما يتعلّق بلبنان وسوريا، أمسك بدبلوماسية غرب آسيا ليتسلّم المحادثات النووية مع الغرب عندما بات وزيرًا، وهي في أحرج مراحلها.

كان على وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن يتعامل من ملفّات عدة أشبه بكرة نار تسلّمها من سلفه محمد جواد ظريف، حيث كان على إيران عبر جهازها الدبلوماسي أن تخوض محادثات نووية شاقة تحكمها قيود انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ولا تنتهي بأزمات داخلية لها ما لها من انعكاسات خارجية.

لعب عبد اللهيان الدور المنتظر منه لمحاولة العودة إلى اتفاق نووي مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ينزع العقوبات مجددًا عن الجمهورية الإسلامية، فتنقّل من جولة إلى أخرى، كان يِسرّب بعد كل واحدةٍ منها أنّ الأمور باتت على طريق الحل، قبل أن تتعقّد الأمور من جديد.

حاول عبد اللهيان على طريقته أن يطرح الحصول على بيانٍ سياسي من الكونغرس الأميركي كضمانة لعدم الانسحاب من جديد من أي اتفاق جديد محتمل. لم ينجح بتحقيق الخرق الذي أراد، لكنه أضاء طريق الحل الذي ترتضيه طهران أمام من يهمّه الأمر.

انخرط الوزير في جهود بلاده الحثيثة التي أثمرت انضمامًا إلى منظّمتَي “بركس” وشنغهاي، وحصد انتباه العالم عندما قُطعت مسافات التقارب اللازمة مع الرياض، العاصمة العربية التي زارها في آب/ أغسطس 2023 ليعلن بذلك تخطّي الكثير من الماضي الأليم.

لم يغيّر من التزام عبد اللهيان وإيمانه بسياسة إيران الداعمة لما يُسمّى بمحور المقاومة، وقد تحدثت مجلَة “فورين بوليسي” ذات مرّة على إصراره منذ ما قبل تولّيه الخارجية على التنسيق الدائم مع قائد قوة القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني قبل اغتيال الأخير في مطار بغداد عام 2020. هكذا لطالما عبّر عبد اللهيان عن أنّ بلاده فخورة بدعمها لحلفائها في المنطقة.

ربما من هنا يُفهم أكثر الإنذار الذي وجهه بعد بدء الحديث الإسرائيلي عن اجتياح قطاع غزة بريًا على إثر عمليّة طوفان الأقصى، حيث حذّر عبد اللهيان من أنّ اجتياح القطاع سيعني توسّعًا للحرب على صعيد منطقة الشرق الأوسط، وهو الكلام الذي لم يحتج لوقت طويل حتى تفسًره التطوّرات التي شملت مزيدًا من اشتعال الجبهة بين إسرائيل ولبنان، ودخول جهات عسكرية في العراق بالإضافة إلى اليمن على خط المواجهة مع إسرائيل.

وعندما اعتدت إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق، وردّت إيران باستهداف منشآت عسكرية إسرائيلية، أعلن عبد اللهيان أنّ بلاده تمكّنت من تحقيق أهدافها في إطار “الرد العقابي الأدنى”، على حد تعبيره، معتبرًا أنّ الرد الإيراني يعكس “الإرادة الحاسمة” لدى طهران، ولعلّها لحظة كانت بالنسبة له من أجمل لحظاته المهنية.

ما قبل الخارجية 

شغل عبد اللهيان مناصب عدة قبل تولّيه الخارجية، أبرزها نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية، رئيس اللجنة الخاصة بالعراق في الخارجية، سفير إيران لدى البحرين، مساعد السفير الإيراني في بغداد ومستشار وزارة الخارجية. لاقت إقالته من منصب نائب وزير الخارجية لشؤون البلدان العربية والأفريقية عام 2016 انتقادات حادة من الأصوليين، طالت بشكل أساسي وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

هو أوّل مسؤول إيراني يُدعى إلى لندن لإجراء محادثات إقليمية بعد إعادة فتح سفارة لندن في طهران خلال الولاية الأولى للرئيس حسن روحاني، وقد التقى حينها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند (2015).

ًيعتبر عبد اللهيان شخصية معروفة في وزارة الخارجية، وقد عُرف بموقفه الصريح والفاعل على الصعيدين الدولي والإقليمي في أزمات العراق وسوريا والتطوّرات في غرب آسيا وشمال إفريقيا. نشر منذ أشهر كتابًا لمذكّراته مع الأزمة السورية التي شهدت دوراً إيرانيًا بارزًا لمنع سقوط النظام السوري بقيادة بشار الأسد، وكان تحت عنوان “صبح شام”، روى فيه تجربته الخاصة مع هذه الأزمة.

ومنذ لحظة فوز إبراهيم رئيسي بالرئاسة الإيرانية، كان اسم عبد اللهيان يتردّد كأحد أبرز المرشحين لخلافة ظريف، نظراً للثقة التي يحظى بها لدى الأصوليين، ولا سيّما عند القائد الأعلى آية الله علي الخامنئي.

هو من مواليد مدينة دامغان في محافظة سمنان إلى الجنوب من بحر قزوين في شمال إيران. حصل على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة طهران، ويتحدث بطلاقة اللغتين العربية والإنكليزية. في العام 1992، تقلّد أول منصب في وزارة الخارجية الإيرانية بصفة “خبير دبلوماسي”، وكان منذ تلك البدايات يُعرف بأنه من الدبلوماسيين المحسوبين على الحرس الثوري، وهو ما لم يكن ينفيه أبدا، وكان رافعته إلى جانب حضوره وقدراته السياسية، قبل أن يرحل في سنٍّ صغيرة على وزير خارجية دولةٍ كبيرة، وقد كان لا يزال أمامه الكثير ليحققه في سياق بين ما كان يؤمن به وبين ما تفرضه الدبلوماسية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: