الرئيس الإيراني.. من الصعود في مشهد إلى الرحيل المفجع
تعود الذاكرة مع رحيله في حادث مفجع إلى لحظة الصعود البارزة التي وضعته على رأس العتبة الرضوية المقدسة في مشهد، عندما عيّنه مباشرةً القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عام 2016 في هذا المنصب، فلفت إبراهيم رئيسي الأنظار في الداخل والخارج كركنٍ مؤسس في النظام الإيراني، وعلامة مهمة في مستقبل هذا النطام أيضًا، حيث يُنظر إلى هذا المركز كإشارة إلى تقدّم صاحبه للمراكز العليا في البلاد، كرئاسة الجمهورية، وحتى منصب القائد الأعلى.
لاقت فترة حكم رئيسي انتقادات حادةً بسبب أحداث عدة بعضها هزّ البلاد عميقًا، ومدحًا لتحقيق أهداف سعى إليها القادة الإيرانيون منذ عقود للتفلّت من تأثير الغرب ونيران العقوبات.
نجح رئيسي بتطبيق سياسة انفتاح كبرى على دول الجوار، من دول الخليج العربية التي تم ترميم العلاقات معها إلى حد كبير بوساطة صينية تاريخية، بعد أن ظلّ التوتر مخيّمًا بين الطرفين لسنوات، مرورًا بأذربيجان وأرمينيا وغيرها من الدول.
نجحت حكومة رئيسي أيضًا بإدخال إيران إلى منظّمَتَيْ “بريكس” وشنغهاي، ورفعت مستوى مبيعات النفط إلى مستويات غير مسبوقة، في تحدٍّ واضحٍ للعقوبات الأميركية، كما استفادت من الظروف الخارجية الجديدة لتحسّن من أوضاع تجارة السلع الدولية.
حقّق رئيسي إنجازات داخلية عدة، كتخفيض كلفة العلاج الطبي، بلوغ النمو نسبة 4%، تخفيض معدّل نمو السيولة وتدشين أكبر مشروع للسكك الحديدية في جنوب وجنوب شرق إيران.
سجّل حكمُ رئيسي مواجهة ناجحة مع إسرائيل، حيث ردّت طهران على قصف قنصليّتها في سوريا بهجوم معقّد شمل عددًا كبيرًا من المسيّرات والصواريخ البالستية التي اعترف الإعلام الإسرائيلي بأنها نجحت بإصابة قواعد عسكرية داخل إسرائيل، بينما ردّت إسرائيل على الرد الإيراني بعملية نُظر إليها على أنها هزيلة وتكرّس قدرة الردع الإيرانية، وخطوطًا حمراء تمنع التعرّض للأراضي الإيرانية، أو حتى للمقرّات الدبلوماسية التي تُعتبر أرضًا إيرانية بحسب المعاهدات الدولية.
وفي مقابل هذه النجاحات، أُخذ على رئيسي أنّ حكومته لم تستطع أن تضع حدًا لتضخّم أسعار السلع الذي يعصف البلاد منذ زمن، كما لم تستطع حلّ مشاكل أخرى تتعلّق بالمياه وبالمهاجرين الأفغان، كما لم تنجح بتأمين مليون فرصة عمل وبناء مليون وحدة سكنية سنويًا كان قد وعد بها رئيسي نفسه خلال حملته الانتخابية.
وعرفت التشكيلة الوزارية التي يقودها رئيسي بعض الإرباك. على سبيل المثال، تمّت إقالة وزير الصناعة في البرلمان، كما استقال وزير الطرق ووزير العمل، وقد تحدثت الصحف عن أنّ نسبة صغيرة من الأوامر التنفيذية التي أصدرها رئيسي وجدت طريقها للتنفيذ فعلًا.
وتبقى الأزمة السياسية والشعبية الأكبر التي عانت منها إيران بقيادة رئيسي هي تلك التي وقعت على إثر وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني في مركز للشرطة، حيث اندلعت المظاهرات التي كان بعضها سلميًا وبعضها الآخر شهد مظاهر عنف حاد في المدن الإيرانية، وذلك رغم حرص رئيسي شخصيًا على التواصل مع عائلة الفتاة أميني وتعزيتها بعد حادثة الوفاة.
قبل الرئاسة
تعود أوصل رئيسي إلى أسرة متديّنة من منطقة نوغان قرب مدينة مشهد، وقد تأثّر بعلماء دين عدة من عائلته، فسلك درب العلوم الدينية في حوزة قم، ثم انتقل إلى دراسة الحقوق الدولية التي حصل فيها على درجة ماجستير.
سريعًا انضمَّ رئيسي إلى السلك القضائي ليتقلّد مناصب عدة فيه، كان أوّلها عام 1981، عندما أصبح المدّعي العام لمدينة كرج، ثم تدرّج حتى وصل إلى رأس المحكمة الخاصة بعلماء الدين.
عام 1986، تسلّم منصب مدّعي محكمة الثورة في طهران، وبعد ثلاث سنوات قاد مباشرةً التحقيق في المشاكل القضائية لمحافظات لرستان وكرمنشاه وسمنان، كما أصبح عام 1990 مدعيًا عامًا للعاصمة.
ورغم التزام رئيسي الصمت بشأن قضية الإعدامات عام 1988، برز اسمه مثيرًا الجدل في هذا الإطار، وكان قد تم تعيينه مع بور محمد مباشرةً من قبل مؤسس الثورة الإسلامية في إيران آية الله روح الله الخميني ليكونا ضمن اللجنة المشرفة على هذا الشأن.
بقي رئيسي منذ عام 2007 عضوًا في مجلس خبراء القيادة، وكان من واحدًا من 11 عضوًا تتألّف منهم لجنة تعيين القائد الأعلى.
يُعتبر رئيسي من داعمي فرض الإقامة الجبرية على زعماء الحركة الخضراء التي نزلت إلى الشوارع عام 2009 على إثر إعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسًا للجمهورية، حيث اعتبر رئيسي حينها أنّ هذا الإجراء هو أحد علامات تسامح الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه معارضيها، وقد تلقى انتقادات عدة بسبب هذه التصريحات.
عيّنه القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي على رأس العتبة الرضوية المقدسة عام 2016، ليُصبح عام 2019 رئيسًا للسلطة القضائية.
قبل تولّيه الرئاسة، خاض رئيسي عام 2017 الانتخابات الرئاسية ضد حسن روحاني، لكنه خسر المنافسة بفارق ثمانية ملايين صوت، حيث حصل على 38% من أصوات المقترعين.
وكان رئيسي من أشدّ المنتقدين للاتفاق النووي الإيراني، فكثيرًا ما تساءل في حملته الانتخابية الأولى عن الفوائد التي جنتها البلاد من هذا الاتفاق، وقد شكّل انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 من الاتفاق دفعة قوية إلى الأمام لآراء رئيسي.