الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 مايو 2024 05:29
للمشاركة:

مذكرات ظريف “طاقة الصبر”: عندما طرح كيسنجر أكبر مغالطاته عن إيران

في الفصل الرابع من كتابه "طاقة الصبر"، تمسّك وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف بالمُثُلِ العليا في إطار نظرته إلى تحقيق المصالح الوطنية، ويكشف في هذا الجزء المعنون بـ "السياسة الخارجية والمصالح الوطنية"، عن ردّه على وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كسنجر في هذا الشأن، وكيف اضطّر أحد أهم تلامذة كسنجر لدعم وجهة نظر ظريف.

“جاده إيران” تقدم لقراءها القسم الأول من ترجمتها للفصل الرابع “إطار العلاقات الخارجية” من الكتاب

التعريف البسيط للسياسة الخارجية هو تخطيط وتنفيذ إطار علاقات الدولة مع الأطراف الخارجية الفاعلة الأخرى، بهدف تحقيق المصالح الوطنية وتعزيزها. وعلى هذا الأساس، فإنّ الدبلوماسية هي أيضًا عِلمُ وفنُّ تعزيز المصالح الوطنية بأقلّ التكاليف وأكثرها استقراراً. الركيزة الأساسية للدبلوماسية والسياسة الخارجية هي المصالح الوطنية. لذلك، من دون توضيح وتشكيل توافق داخلي على المصالح الوطنية، من غير الممكن التوصل إلى تفاهم على الدبلوماسية والسياسة الخارجية.

يُعرّف المفكرون والسياسيون المصالح الوطنية حسب تفكيرهم وتوجّهاتهم بطُرقٍ مختلفة. ظهر بين المفكرين والمحللين الداخليين بشأن المناقشات المحيطة بسياسة إيران الخارجية ازدواجية لا أساس لها وغير علمية بين المصالح الوطنية والغايات المُثلى، والتي تنشأ من مقاربة أحادية للسلطة والمصالح الوطنية، ومن ناحية انعكاس بعض المواقف الدعائية الأجنبية. فالمُثُل العليا هي الركيزة الأساس للقوة المادية والتحفيزية لأي بلد، وخاصة دول مثل الجمهورية الإسلامية الايرانية، التي تتمتّع بتفوّق نسبي في الجوانب المثالية والتحفيزية الناتجة عن قيم الثورة الإسلامية.

لا يمكن ولا ينبغي، وضع هذه الميزة القيّمة إلى جانب النظريّات الفكرية المستوردة. إنّ المثاليّة الواقعية هي إحدى الركائز المُحكِمة للقوّة التحفيزية لإيران. الإصرار على هذا المنطق لم يقتصر ذكره على هذا الكتاب الذي تم تأليفه للقرّاء المحليين فحسب، بل تم طرحه مرّات أمام كيسنجر الذي يُعتبر المصمّمَ الأوّل للموقف الخاطئ في الفصل بين المُثُل والمصالح الوطنية. عندما طرح كيسنجر في لقاءاته الثنائية واجتماعات أكبر مغالطته المعتادة عن إيران – وهو ما يكرّره من دون تفكير كثيرٌ من أصدقائنا المثقّفين – أنّ “إيران يجب أن تختار بين المُثُل العليا وأن تكون دولة”، أجبته: “هل الولايات المتحدة مستعدّة لفعل مثل هذا الشيء والتخلّي عن أحد أعمدة قوّتها؟ إذا كنتم مستعدّين لذلك، توقعوا الشيء نفسه من إيران”. ومن المثير للاهتمام أنّ أحد أشهر وأقدم طلاب كيسنجر، والذي كان حاضرًا في أحد الاجتماعات، قال: “لأوّل مرة لا بد لي من دعم الرأي المعارض لمعلّمي”.

لذلك، فإنّ إزالة المواقف والأهداف المثالية من تعريف المصالح الوطنية لن يساعد في التنمية الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية للشعب والنفوذ السياسي في البلاد والتقدّم الشامل لإيران، بل إنها تجعل إيران عرضة للخطر بشكل أكبر. المثاليّة في إطار القدرات ضرورة ومحفّزة. والتحدّي الأساسي هو تحقيق التوازن بين ركائز المصالح والأمن الوطني.

رغم أنه في نظرية الحكم الأمثل، فإنّ جميع ركائز الأمن والمصالح الوطنية تنتظم وتتقدّم من دون توتر وصراع، ولكن عندما يحدث الصراع – إما بسبب الإدارة الخاطئة أو عدم وجود حُكم جيّد، أو حتى بسبب عوامل داخلية وخارجية خارج نطاق سيطرة الحكام – أي ركيزة من المصالح أو الأمن القومي له الأولوية؟ أي من أسس الأمن القومي ينبغي حمايتها بأي ثمن؟ أي منها في الأولويات المتأخّرة ويمكن تجاهله أو التضحية به؟ إذا تمّ غزو البلاد، بين الاستقلال ووحدة الأراضي من جهة والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، أيّهما يجب الحفاظ عليه بأي ثمن؟ صحيح أننا يمكن أن نعتبر مكافحة الاستكبار أحد ركائز المصالح الوطنية؛ لكن في ظلّ الاختيار الصعب بين مكافحة الاستكبار من جهة وتوفير الاحتياجات الأساسية لحياة الناس من جهة أخرى، أيّهما ينبغي اعتماده؟ وما العمل في حال وجود تعارض بين ركائز المصالح الوطنية؟

يبدو أنه قبل مواجهة التحديات والأزمات التي تتطلّب قرارات سريعة وإجراءات فورية، لا بدّ من تحديد الأولويات وترتيب عوامل الأمن الوطني بالنسبة لبعضها البعض، والتوافق السليم داخل النخب السياسية، وربما في المجتمع. المشكلة في تحديد الأولويات والاتفاق عليها.

للإطلاع على أبرز ما قدمته “جاده إيران” من كتاب مذكرات ظريف إضغط هنا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: